في هذه الزاوية سيأخذنا الروائي والكاتب السعودي عمرو العامري الذي رفد المكتبة العربية بعدد من الكتب والروايات إلى عوالم القراءة والرواية من خلال ما اطلع عليه مؤخراً ويوصي القراء بقراءتها. رواية (القبيلة التي تضحك ليلاً لسالم الصقور) أستطيع القول وبيقين مطلق إن هذه الرواية إحدى أجمل الروايات المحلية التي صدرت في السنوات الأخيرة، رواية الوادي والقبيلة، التوق واليأس، رواية الأزمنة الكثيرة والمختزلة في شهقة كتابية واحدة، نفس واحد، كما لو أنها صرخة أثناء السقوط نحو غور بعيد. يستحيل أن تجد سطرًا واحدًا زائدًا في هذه الرواية، كل الكلمات أخذت أماكنها وتمسكت بها وكأنها انتزعتها كقضية وجود. «الزواج مثل الموت، لا أحد يستطيع أن يخبرك بما ينتظرك هناك، سواء كان زواجاً تقليداً وقبلياً بمدينة صغيرة على تخوم الربع الخالي أو كان مدنياً في معرض لفنون ما بعد الحداثة بباريس، الزواج لغز كوني معقد التركيب تنهار أمامه كل النظريات، ربما الغاية النهائية من تزاوج البشر هي اعتراف بالوحدانية لآخر متعال بهويته ليس له شريك يساكنه ويأنس له». هذا الزواج الذي كان يفترض به أن يؤدي اإلى الإنجاب لكنه لم يحدث، ومن هناك و(في كل شهر قمري يموت واحد من أبنائي، فينتصب سرادق عزاء في صدري ولا أحد يشاركني تلك المآتم السرية). وهكذا تمضي أحداث الرواية المشحونة بطقوس القبيلة، بأساطير الجن والوادي، ومفاهيم العيب والعار، بأزمنة التحولات وبالكثير الكثير من الوجع المركز على شكل كبسولة تبلع دفعة واحد على هيئة رواية، رواية اسمها، القبيلة التي تضحك ليلا. مكتب على السين د. معجب الزهراني نستطيع أن ندرج كتاب الدكتور معجب الزهراني ضمن كتب السير، وهو ليس كتاب سيرة شخصية، لكن به الكثير من سيرة وشخصية وصراعات معجب، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي (معهد العالم العربي) وأيضا من سيرة المكان. يحسب لمعجب على الدوام أنه شخص شجاع، هذه الشجاعة أورثته الكثير من الصدامات الثقافية والفكرية، لكنها لم تهزمه أبدا، وظل معجب كما هو ذلك الفلاح القروي الشجاع الذي يسمي الأشياء بأسمائها. لطالما كان تمثيل ومشاركة المملكة في المؤسسات الأممية نادرا، ويقتصر غالبا على الدعم المالي، وكانت النخب العربية تمارس نوعا من التعالي أو الجفاء ضد المشاركات أو الترشيحات السعودية لمثل هذه المؤسسات، ولعلنا نتذكر المعركة الشرسة التي واجهت الدكتور؛ غازي القصيبي -رحمه الله- عندما ترشح لرئاسة اليونيسكو، وقد أسقطه وصوّت ضده مرشحو الدول العربية، وقد خلدها -رحمه الله- في روايته (دنسكو). ولهذا وعندما صدر قرار تعيين الدكتور معجب مديرا لمعهد العالم العربي كان صاعقا على الكثيرين وخاصة ممن نظنهم من النخب العربية المثقفة. وقد حاول الدكتور معجب إيجاد مبرر لذلك، وعزا ذلك على أنها «الصور النمطية الجامدة والأحكام الجاهزة عن بلدان النفط وأهلها». كانت معركة معجب الأولى لترشيحه مع الداخل أيضا، من بعض الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على ضمائر المثقفين، هذه (الوصايات والتخوين) عطلت وأجهضت الكثير من النخب نحو تبوؤ مراكز قيادية وبحجج لا تستند إلى عقلانية أو منطق. ثم كانت معركة معجب مع موظفي المعهد ابتداء من رئيس المعهد مرورا بأطياف متعددة ومنتفعة وعلى جميع المستويات. وقد تحدث معجب عن ذلك في كتابه، وسمى الأشياء بأسمائها، وقد واجه التحدي بالتحدي، وترك إنجازات كثيرة أثناء فترة عمله قبل أن يعود إلى قريته الجنوبية الوداعة وكأنه لم يكن (فرانكفونيا) وخريج أرقى جامعاتها، كتاب (مكتب على السين) جدير بالقراءة . حياتك الثانية تبدأ حين تدرك أن لديك حياة واحدة لمؤلفها: رافاييل جردانو.. ترجمة حسين عمر رواية قالوا عنها إنها أسعدت الملايين، ولعلي أحد هؤلاء الملايين الذين أسعدتهم الرواية من خلال طرح مفهوم الوعي بالحياة وكيف يصنع الإنسان سعادته ولا ينتظرها، وتفجير الطاقات التي نغفل عنها في ركضنا اليوم وسط مشاغل الحياة والروتين القاتل. تبدأ الرواية عندما تعطلت سيارة (بطلة الرواية) وسط الغابات في ليل ماطر، مما دفعها لتدق باب أحد المنازل طالبة الدفء والمساعدة، وتصادف أن كان هذا الشخص هو السيد كلود وهو (روتنيولجي) كما وصف نفسه وتعني أخصائي معالجة أمراض الروتين. أدرك في الحال بعد حوار قصير هشاشتها وبؤسها نتيجة انكسارات صغيرة ولكن متعدد (الروتين) وكيف أفضى بها ذلك إلى فقدان بهجة الحياة رغم امتلاكها كل مقومات السعادة. بالانتهاء من إصلاح سيارتها وضع في يدها كارت صغير يحتوي عنوانه وعرض عليها مساعدتها إن أرادت. وبعد تردد بادرت بزيارته ولتبدأ معه رحلة التعافي عبر تفجير الطاقات الكامنة، وعبر تقدير الذات، والتخلص من كل ما هو فائض وسام في العلاقات والحياة، وعبر تحديد الأولويات وإعلاء القيمة، وكانت كل تلك الأشياء قريبة وممكنة، وقد تغيرت حياتها تماما، بل وحياة عائلتها. (فتح الأبواب يجب أن يكون من الداخل) هذه هي الثيمة التي عملت عليها الرواية، لماذا أوصي بقراءة هذا الكتاب؟ إنه كتاب يساعد كثيرا أولئك الذين يعانون من أميةّ السعادة، وأميّة العاطفة وبه الكثير من التشويق. رواية (لا تقولي إنك خائفة) لجوزيه كاتوتسيلا ترجمها عن الإيطالية: معاوية عبدالحميد. قبل الحديث عن الرواية سأظل أو نظل مدينين للمترجم معاوية عبدالحميد والذي نقل الكثير من الأدب الإيطالي إلى اللغة العربية وقرائها. وسأعترف أني ومن خلال الرواية عرفت الكثير من محنة الصومال، والتي كان يسيطر عليها ما كان يسمى بمجموعة الشباب الإسلامي، وهم الجماعة الدينية المتطرفة التي زادت في تفتيت المفتت وفاقمت محنة الصومالين. سامية عمر كانت شابة تحلم أن تكون بطلة العالم على مستوى الجري، أسوة بما فعله مواطنها البريطاني الجنسية (محمد فارح عمر). ولكن لأنها فتاة كانت المهمة أصعب وسط الفقر والتشدد الديني، رغم النجاحات المحلية، ورغم السعادة العائلية التي تعيشها رغم الفقر. وأخيرا وبعد سلسلة من الأحداث بدأت تفكر في الهجرة، ولتدخل جحيم التهريب وعصابات ومخيمات التهريب عبر ثلاث الدول، وكلما داهمها اليأس تذكرت مقولة والدها؛ (لا تقولي انك خائفة) وقد وعدته أن تحصل على المركز الأول في الأولمبياد. لكن الإنسان يسقط ويهزم أيضا، وقد كان سقوطها وهي على مسافة قصيرة من النجاة؛ سقطت في البحر وهي تحاول ركوب قارة النجاة. لماذا أوصى بقراءة هذه الرواية؟ إنها رواية الألم والإصرار، وسجل سفر خلود للوجع الإنساني. المجموعة القصصية (صمت القرى) للقاص السعودي عبدالله ساعد هي امتداد لخط ونسق عبدالله ساعد في كتاباته عن القرى وأزمنة الطفولة، وعن الجنات المفتقدة والتي لم تعد سوى في الذاكرة. عبدالله ساعد يكتبنا كلنا نحن القرويون الذين انخلعنا من قرانا وأزمنتنا وسكنا المدن وامتلكنا كل شيء، لكننا عجزنا عن مد جذور جديدة في هذه الامكنة، وبقينا مقيمين في الحنين نرى كل ما هو جميل هناك رغم أنه لم يعد هناك. المجموعة صغيرة لكنها محتشدة بالذكريات واللغة التي لا يكتب بها سوى عبدالله ساعد، كل قصة هي بذرة صغيرة لرواية لو أن عبدالله منحها الوقت والعمل، لكنه كعادته يختزل الأشياء في جميلة قصيرة تاركا الكثير من الفضاءات للقارىء والمتأمل ولكل من عاش جزء من تلك الأزمنة. لماذا أوصي بقراءة هذه المجموعة ومجموعات عبدالله ساعد الأخرى ك(تقاسيم في ليل السراة) و( يمضي وحيدا باتجاه الشمال) وغيرها لأنها ثرية بالقيمة والنبل، غنية باللغة الشفيفة، ولأنها تكتب بصدق ثنائية الأمس واليوم، القرية والمدينة، ولأنها تخفف من ركضنا اليوم نحو اللاشيء. عمرو العامري