ليس بعيداً عن الدول التي تسعى لتحويل الذكاء الاصطناعي فرصة متقدمة لخلق المزيد من الوظائف تعزز المملكة هذه التوجهات المستقبلية في ظل إدراكها لمستقبل البشرية مع الذكاء الأصطناعي، إذ أكد د. عبدالله الغامدي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في تصريح وصف ب"المهم جداً" أن الذكاء الاصطناعي قادم بلا محالة، وسيكون له تأثيره الكبير على الوظائف، والموظف لن يُستبدل بالذكاء الاصطناعي، بل بموظف يستخدم الذكاء الاصطناعي"، هذه الرؤية الصادرة عن إحدى أهم القيادات تعكس حقيقة التعامل مع الذكاء الاصطناعي، إذ لا يُنظر إليه كأداة استبدال بل كوسيلة تمكين، ما ينسجم مع التوجه الوطني الذي يسعى إلى تطوير الإنسان إلى جانب التقنية، كما يفتح آفاقا هائلة على الصعيد الوظيفي. والمملكة التي نجحت في الحد من البطالة وتقليص حجمها في شكل ملحوظ ترصد بكثافة التحولات العالمية المتسارعة، إذ يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه واحدًا من أبرز المتغيرات التي ستعيد تشكيل مستقبل الوظائف والاقتصاد، ومع تنامي اعتماده في مختلف القطاعات، تتزايد التساؤلات حول مصير الوظائف التقليدية في مواجهة هذا التطور التقني الهائل. ورصدت "الرياض" ما اتخذته المملكة من خلال رؤية 2030، من خطوات جادة في تمكين الكفاءات الوطنية وتأهيلها لتواكب هذا التحول العالمي، إذ أطلقت استراتيجيات ومبادرات عدة تهدف إلى تعزيز القدرات الرقمية، ومن بينها الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي ركزت على بناء اقتصاد رقمي متين، كما جرى تأسيس منصات وأكاديميات تدريبية، مثل أكاديمية سدايا، التي تعمل على إعداد جيل جديد يمتلك مهارات متقدمة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، ولعل أحد أبرز ملامح هذا التوجه هو التكامل بين القطاعات الحكومية والخاصة لدعم التدريب والابتكار، خاصة في ظل التوسع في المعسكرات التقنية والمبادرات الريادية الممولة من صندوق تنمية الموارد البشرية وبرامج وزارة الاتصالات. ورأى مختصون اقتصاديون أن هذا التوجه الاستراتيجي انعكس بشكل ملموس على سوق العمل، إذ سجلت معدلات البطالة بين السعوديين انخفاضًا ملحوظًا في العام الماضي، لتصل إلى 7.7 % وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، ويُعزى هذا التراجع إلى حزمة من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى التوظيف المباشر والتدريب الموجه، مثل برنامج "تمهير" للتدريب على رأس العمل، وتوسيع مظلة التوطين في قطاعات رئيسية، كما أسهم تمكين المرأة وزيادة مشاركتها الاقتصادية بدور فاعل، إذ ارتفعت نسبة مشاركتها إلى أكثر من 35 %، ما يدل على جدية الجهود في استثمار جميع الطاقات الوطنية، مؤكدين أنه لا يُمكن الحديث عن واقع التوظيف دون الإشارة إلى الدعم الكبير الذي قدمته الجهات المختصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، سواء عبر التسهيلات التمويلية أو من خلال تقديم حوافز للجهات التي توفر فرصًا وظيفية نوعية. وشددوا على أن المملكة عملت على تعزيز المرونة في بيئة العمل من خلال أنظمة جديدة تُراعي متغيرات الاقتصاد الرقمي، وتسهم في استيعاب وظائف ناشئة وغير تقليدية، لا سيما في مجالات التقنية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات اللوجستية، مؤكدين أن سرعة التكيّف مع أدوات الذكاء الاصطناعي ستكون العامل الحاسم في بقاء الموظف ضمن دورة الإنتاج، إذ أصبح من الضروري أن يتحوّل الموظف من منفّذ روتيني إلى محلل ومطوّر ومبتكر، يستفيد من التقنيات لتعزيز جودة العمل واتخاذ القرار، وفي هذا السياق، أشار م. محمد العوامي الخبير التقني إلى أن المستقبل لن يكون للموظف التقليدي، بل لمن يستطيع دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في صلب عمله اليومي، سواء في التحليل أو الإدارة أو حتى الإبداع، مؤكدًا أن المملكة أدركت هذه الحقيقة وتعمل على رفع الجاهزية البشرية قبل التقنية. أما على مستوى القطاع الخاص، فقد بدأت العديد من الشركات في إعادة صياغة استراتيجياتها بما يتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي، ليس فقط على مستوى البنية التقنية، بل على مستوى تطوير الكوادر البشرية، وقال رجل الأعمال حسين آل الشيخ: "إن الذكاء الاصطناعي لا يُمثل تهديدًا وإنما فرصة"، موضحًا أن الشركات التي تستثمر في تدريب موظفيها على استخدام هذه التقنيات ستكسب ميزة تنافسية عالية، مؤكدًا أن القطاع الخاص بدأ خطوات جادة في هذا الاتجاه منذ سنوات.