تعد رؤية المملكة 2030 خطة طموحة وشاملة تهدف إلى إحداث تحول اقتصادي واجتماعي شامل، وتقوم على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات الحكومية، ومن أبرز أهداف هذه الرؤية الطموحة، العمل على زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى تريليون ريال سنوياً، بعدما كانت لا تتجاوز 163 مليار ريال فقط عند إطلاق الرؤية في عام 2016. ويُعد هذا الهدف من الأهداف الاستراتيجية التي تسهم في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي على المدى الطويل، وتُعزز من قدرة الدولة على تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية والخدمات دون الاعتماد على تقلبات أسعار النفط. لقد تم اتخاذ العديد من الإجراءات لتحقيق هذا الهدف، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة، وتوسيع نطاق الرسوم على الخدمات البلدية، والبدء في خصخصة عدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى تطوير القطاع السياحي والترفيهي، مما ساهم في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص جديدة للإيرادات، كما أن التوسع في تنمية قطاع الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والتعدين ساعد في توليد عوائد كبيرة تعزز الخزينة العامة للدولة. وقد ساعد تأسيس مراكز مثل «مركز تنمية الإيرادات غير النفطية» على تنسيق الجهود وقياس الأداء لتحقيق هذا الهدف، مع العمل على تطوير التشريعات والأنظمة الداعمة. من وجهة نظري، فإن اختيار هذا الهدف ليكون أحد المحاور الرئيسة لرؤية المملكة يعكس وعياً عميقاً بالتحديات التي واجهها الاقتصاد السعودي في الماضي، واعتماد الدولة شبه الكلي على النفط، والذي جعل الميزانية العامة تتأثر بتقلبات السوق العالمية. إنّ رفع الإيرادات غير النفطية إلى هذا المستوى الطموح يعني بناء اقتصاد أقوى وأكثر تنوعًا واستقرارًا، ويعني أيضاً قدرة أكبر على تمويل المشاريع الوطنية الكبرى دون الاعتماد على العوائد النفطية. وأرى أن هذا الهدف لا يُعد فقط وسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل يمثل خطوة مهمة في مسار التحول المجتمعي، حيث يُشجع على تنمية ريادة الأعمال والقطاع الخاص، ويحفز على الابتكار والتنافسية في مختلف القطاعات، كما يسهم في تطوير المهارات البشرية الوطنية لتكون مؤهلة لسوق العمل المتجدد، وقد لاحظنا بالفعل خلال السنوات الماضية تحسناً في جودة الخدمات وظهور قطاعات واعدة تسهم في الناتج المحلي الإجمالي بشكل متزايد. ورغم التحديات التي قد تواجه تحقيق هذا الهدف، إلا أن النتائج المحققة حتى الآن تبعث على التفاؤل. فقد ارتفعت الإيرادات غير النفطية إلى 502.5 مليار ريال في عام 2024، وهو ما يشير إلى تقدم واضح في الطريق نحو الوصول إلى التريليون المستهدف بحلول عام 2030. وتقوم الوزارات المختلفة بدور فاعل في هذا الإنجاز، فوزارة المالية تعمل على تحسين كفاءة الإنفاق ورفع مستوى التحصيل الضريبي، بينما تسهم وزارة الاقتصاد والتخطيط في تطوير سياسات تنموية تُعزز من تنويع الإيرادات، وتعمل وزارة الاستثمار على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لفتح أسواق جديدة، كما تدعم وزارة السياحة ووزارة الثقافة المشاريع التي تُسهم بشكل مباشر في تنويع الاقتصاد ورفع العوائد غير النفطية. في المجمل، فإن هذا الهدف يُعد من أعمدة التحول الوطني، وتحقيقه يتطلب استمرار التنسيق بين الجهات الحكومية، والشفافية في عرض النتائج، والدعم المجتمعي المستمر. ومع توافر الإرادة السياسية، وتكامل الأدوار بين مختلف القطاعات، فإن الوصول إلى الإيرادات غير النفطية المستهدفة يبدو أكثر قرباً من أي وقت مضى. وفي الختام، يُمثل هدف زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى تريليون ريال سنوياً حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي بعيداً عن تقلبات سوق النفط. لقد قطعت المملكة شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، مستفيدة من الإصلاحات الجريئة والرؤية الاستراتيجية المتكاملة التي وضعتها القيادة الرشيدة، واستمرار هذا الزخم يتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والارتقاء بمستوى الأداء الحكومي، وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني. ومع ما تحقق حتى الآن من تقدم ملموس، فإن بلوغ الهدف بحلول عام 2030 ليس فقط ممكناً، بل مرجحاً بقوة إذا ما استمرت وتيرة الإنجاز على هذا النحو المتسارع والطموح.