لخصت محكمة دولية ومستشارة قانونية في القانون التجاري، والأسواق المالية، الدور المأمول من الهيئات والمؤسسات السورية المالية، والاقتصادية في ظل الانتهاء توقيعا مجموعة اتفاقيات لاستثمارات سعودية في الداخل السوري، وقالت ليال قدسي إن الحوكمة والشفافية هما الركيزتان الأساسيتان اللتان تبنيان الجسر الآمن لتدفق أي استثمارات، خاصةً في بيئة مثل الجمهورية السورية الشقيقة، التي تحتاج إلى إعادة بناء الثقة، للمستثمر السعودي، كغيره، يبحث عن الأمان والوضوح. وأضافت "عملياً، الشفافية هي نظام إنذار مبكر وضوء أخضر للمستثمر. عندما يستطيع المستثمر بسهولة الوصول إلى معلومات دقيقة عن الشركات، قوانين الاستثمار، البيانات الاقتصادية، وعمليات اتخاذ القرار، فإنه يقلل من الغموض والمخاطر، وتابعت هذا يعني أن تكون هناك سجلات للشركات المركزية والرقمية مُحدثة، فتخيل أن المستثمر يمكنه البحث عن أي شركة سورية والتحقق من ملكيتها، وضعها القانوني، وتاريخها المالي بشكل موثوق وشفاف". وعن أهمية دور الحوكمة والشفافية في تعزيز الاستثمارات السعودية المتوقع ضخها في الأسواق السورية بينت قدسي أن الحوكمة، درع المستثمر الواقي وحجر الزاوية في إدارة المخاطر، فهي تضمن أن الأموال المستثمرة تدار بمسؤولية ومساءلة، وقالت " هذا يتطلب بناء هياكل حوكمة واضحة للشركات السورية، من خلال ضمان أن الشركات التي قد يتم الاستثمار فيها لديها مجالس إدارة مستقلة وفعالة، ولجان متخصصة (مثل لجان المراجعة والمخاطر) تعمل بجدية لمنع سوء الإدارة وتضارب المصالح، إضافة إلى سن ضوابط داخلية صارمة، بوضع إجراءات وسياسات داخلية تمنع الفساد، وتضمن اتخاذ القرارات بناءً على المصلحة العليا للشركة، وليس المصالح الشخصية أو العائلية. وعن المطلوب من الهيئات والمؤسسات السورية المالية والاقتصادية، قالت قدسي "المطلوب هو بناء بيئة استثمارية شفافة ومحكومة من الألف إلى الياء. هذا يعني، العمل بإصلاحات تشريعية ومؤسسية جذرية، من خلال مراجعة وتحديث شامل لقوانين الاستثمار، الشركات، حماية الملكية، والإفلاس، لتتوافق مع المعايير الدولية وتوفر اليقين القانوني، مع تعزيز الاستقلالية والفعالية للجهات الرقابية، حيث يجب أن تكون هيئة الأوراق المالية، البنك المركزي، والمؤسسات القضائية، مستقلة حقاً وقادرة على تطبيق القوانين بصرامة وعدالة دون تدخل. هذا الاستقلال حيوي لضمان نزاهة السوق وحماية المستثمرين من أي نفوذ غير مشروع. وشددت قدسي على أهمية مكافحة الفساد بجدية لا لبس فيها، بحيث يجب أن تكون هناك آليات مستقلة وفعالة للتحقيق والمحاسبة في قضايا الفساد، وبناء ثقافة عدم التسامح مطلقاً مع أي تجاوز. هذه النقطة هي الأكثر أهمية للمستثمر، مع توفير "نافذة واحدة" حقيقية للمستثمر، وإنشاء مركز خدمة متكامل ينجز جميع الإجراءات الحكومية (تأسيس، تراخيص، موافقات) بكفاءة وسرعة، بعيداً عن البيروقراطية والتأخير. ولفتت قدسي إلى أهمية تطوير منصات موحدة للمعلومات والخدمات، من خلال إنشاء منصات إلكترونية مركزية توفر للمستثمر السعودي وصولاً سهلاً وموثوقاً لجميع القوانين واللوائح، فرص الاستثمار، بيانات الشركات، وإجراءات الخدمات الحكومية. هذا يقلل من الحاجة للتعاملات اليدوية، ويسرع الإجراءات، ويضمن الشفافية والمساءلة المستمرة. وأكدت قدسي على أهمية بناء هيئات رقابية مستقلة ومستمرة المراقبة والمساءلة، حيث لا يكفي إنشاء الهيئات، بل يجب ضمان استمراريتها في مراقبة تطبيق القوانين، والإفصاحات، وممارسات الحوكمة مشيرة إلى أن هذه الهيئات يجب أن تكون لديها صلاحيات تنفيذية لفرض العقوبات وتقديم التوصيات، وتخضع هي نفسها للمساءلة لضمان نزاهتها وفاعليتها. هذا يمثل صمام أمان مستمراً للاستثمارات. إى ذلك حددت المستشارة في التنمية الاقتصادية والحوكمة الإقليمية، الأطر القانونية في الاستثمار الدولي، التي يجب توفرها في بيئة الاستثمار السورية، مع التنفيذ المتوقع لحزمة مشروعات استثمارية لكبرى الشركات السعودية. وقالت الدكتورة نوف بنت عبدالعزيز الغامدي ل(الرياض) إن الحديث عن مستقبل الاستثمارات السعودية في سورية، يعني الحديث عن البيئة التي ستُبنى فيها هذه الفرص، بأن تكون بيئة مبنية على الحوكمة، والشفافية، والمساءلة، وضمان الحقوق. فالمملكة العربية السعودية، التي تضخ استثماراتها اليوم في مختلف القارات ضمن رؤية 2030، لم تعد تنظر فقط إلى العائد المالي، بل إلى الإطار المؤسسي الذي يُدار من خلاله هذا العائد. رأس المال السعودي اليوم حذر، ذكي، ويعمل ضمن أنظمة تقييم معقّدة تعتمد على الاستقرار القانوني، ووضوح التشريعات، ووجود ضمانات حقيقية. وأضافت "من هذا المنطلق، فإن الحوكمة والشفافية لم تعُد ترفًا مؤسساتيًا، بل تحوّلت إلى شرط سيادي لأي تدفق مالي سعودي إلى الخارج. نحن لا نتحدث فقط عن منشآت أو مشروعات عمرانية، بل عن شراكة تنموية طويلة الأجل تتطلب مؤسسات سورية قادرة على إنتاج الثقة، لا استهلاكها. وهذا ما يضع مسؤولية كبيرة على الهيئات والمؤسسات الاقتصادية والمالية السورية، والتي يُفترض بها أن تُعيد إنتاج دورها، ليس بصفتها أداة تنفيذ حكومي، بل كضامن حقيقي للعدالة الاقتصادية وحامي للاستثمار الأجنبي. وقالت الغامدي "وتُدرك المملكة أن الاستثمار في سورية ليس مسارًا تقليديًا، بل هو قرار سياسي واقتصادي مركّب، ولهذا جاء الدعم السعودي لسورية خلال السنوات الماضية متعدد الأبعاد، فمن الناحية الإنسانية، قدّمت المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مساعدات تجاوزت 1.2 مليار ريال، شملت الغذاء والصحة والتعليم والإيواء في الداخل السوري ودول الجوار، ومن الناحية السياسية، كانت المملكة هي الداعم الأبرز لعودة سورية إلى الجامعة العربية خلال قمة جدة 2023، تمهيدًا لتعاون اقتصادي محسوب يقوم على الإصلاح المؤسسي لا التبرير السياسي. وبينت الدكتورة الغامدي أنه من جهة البنية الاقتصادية، فإن غياب سوق مال فعّالة يشكل عقبة إضافية. فلا توجد بورصة نشطة، ولا أدوات مالية تتيح للمستثمر إدارة المخاطر أو إعادة توزيع رأسماله بمرونة. كما أن البيئة التحتية لا تزال متضررة بدرجة كبيرة من سنوات الحرب، ما يعني أن المستثمر لا يواجه فقط تحديات تشريعية، بل عبئا ماليًا إضافيًا لتأمين الطاقة، والمياه، والاتصالات، والخدمات الأساسية. ولفتت الدكتورة الغامدي إلى أن ضعف المهارات المحلية نتيجة النزوح الجماعي وهجرة الكفاءات، يجعل من الضروري استقدام كوادر من الخارج أو الاستثمار في تدريب طويل المدى، وهو ما يزيد التكاليف ويؤخّر الجدوى التشغيلية للمشروعات. وفي غياب محفزات استثمارية نوعية مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية، أو تخصيص الأراضي بأسعار تشجيعية، فإن الكلفة الإجمالية للمخاطرة تبقى أعلى من المتوسط الإقليمي. ليال قدسي