غيّب الموت بهدوء الفنان اللبناني زياد الرحباني، أحد أبرز أعمدة الفن المسرحي والموسيقي في العالم العربي، عن عمرٍ قضاه في رسم ملامح مختلفة للواقع اللبناني والعربي، مستخدمًا أدوات فنية رشيقة وصادقة. نجل عاصي الرحباني والمطربة الكبيرة فيروز، فارق الحياة كما عاشها: بعيدًا عن الأضواء، متمسكًا بمسافة تحفظ له خصوصيته الفنية والإنسانية. تميّز الرحباني بمسيرة فنية اختارت أن تتحدث بلسان الناس وهمومهم اليومية، بعيدًا عن الخطابة والادعاء، فكانت مسرحياته، من بينها «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم أميركي طويل»، بمثابة محاكاة فكرية ساخرة للواقع السياسي والاجتماعي، معبّرة بلغة شعبية ذكية عن أسئلة الشارع العربي دون أن تدّعي تقديم أجوبة جاهزة. ورغم أن أعماله الغنائية لم تُؤدّ بصوته في الغالب، فإنها ظلّت تحمل بصمته الخاصة، حيث اختار أن يكون خلف الكلمات والألحان، لا في واجهة النجومية. زياد لم يسعَ إلى الشهرة ولم يلهث خلف الأضواء، بل ظلّ وفيًا لقناعته بأن الفن رسالة لا غاية. وقد واصل الفنان الراحل تقديم رؤيته النقدية من خلال الإذاعة والمسرح والموسيقى، دون أن يساوم على مواقفه أو يخضع لحسابات السوق. وفي مدينة بيروت، التي أحبها وانتقدها في آن، سيبقى صوته حاضرًا في المقاهي والمسارح، وفي أرشيف الإذاعات، كشاهد على مرحلة لم تكن عابرة. رحيل زياد لا يصنَع ضجيجًا، لكنه يترك فراغًا مألوفًا، يشبه حضوره الصامت والناقد. لم يعش ليرضي أحدًا، ولم يرحل ليُبكى عليه، بل غاب، كما عاش، في الظل... لكنه باقٍ في الذاكرة الفنية العربية، مثالًا للفنان الملتزم بقضاياه، الصادق مع جمهوره، والمختلف في اختياره.