أكد الأستاذ أنس محمد الجعوان المستشار التدريبي ل "الرياض" أنه في عصر تتكاثر فيه الضوضاء الاجتماعية، وتعلو فيه أصوات المنصات والتواصل، تبرز فئة من الناس تفضّل الصمت، والعزلة، وتختار الابتعاد عن صخب العالم. هؤلاء لا يهربون من الحياة، بل يبحثون عن سكون داخلي في زوايا هادئة من يومهم. هذه الحالة تُعرف ب "متلازمة الانسحاب الهادئ". وأضاف هذي الحالة ليست مرضًا نفسيًا بالضرورة، بل نمط نفسي يعبّر عن احتياج داخلي للسلام والتركيز. وعن متلازمة الانسحاب الهادئ قال يصفها بعض المتخصصين بأنها سلوك ناتج عن الحساسية الزائدة تجاه الضجيج الاجتماعي والانفعالي، حيث يفضّل أصحابها الابتعاد عن المناسبات الصاخبة والعلاقات السطحية. وحول سلوك هؤلاء فقال لا يكرهون الناس، لكنهم لا يحتملون التزاحم العاطفي ولا الكلام الفارغ. العزلة بالنسبة لهم ليست ضعفًا، بل وسيلة لإعادة التوازن النفسي. وأضاف انه وفقًا لتقرير نشرته مجلة Psychology Today، فإن حوالي 15% من البالغين يميلون لما يُعرف ب "العزلة الانتقائية"، حيث يفضلون البقاء بمفردهم فترات طويلة، دون أن يعانوا بالضرورة من اكتئاب أو اضطراب نفسي. وبين أن دراسة أجراها معهد الأبحاث الاجتماعية بجامعة ميتشيغان تشير إلى أن الأشخاص الذين يقضون وقتًا منتظمًا في التأمل أو الأنشطة الفردية يتمتعون بمستويات أعلى من الرضا الذاتي والاستقرار العاطفي بنسبة 22% مقارنةً بمن هم دائمًا في تواصل اجتماعي مستمر. وأشار أن الغالبية ممن يعانون من هذه الحالة يواجهون حكمًا اجتماعيًا خاطئًا؛ حيث يُتهمون بالبرود، أو الانطواء المرضي، أو حتى الاكتئاب. والحقيقة أن هؤلاء غالبًا ما يتمتعون بعوالم داخلية غنية، وأفكار عميقة، ومهارات تأملية عالية، لكنهم يفضلون التفاعل النوعي على الكمّي، والصدق على المجاملات، والصمت على الضجيج. وقال تشير دراسة اخرى نُشرت عام 2022 في دورية Journal of Personality and Social Psychology إلى أن الأفراد الذين يملكون وقتًا منتظمًا للانعزال الذاتي يتمتعون بقدرة أكبر على ضبط النفس، واتخاذ قرارات عقلانية بنسبة تفوق 30% مقارنةً بغيرهم. وأخيراً قال في عالم يمجد الظهور والضجيج، لا بد من إعادة النظر في ثقافة العزلة، واحترام خيارات من يختارون الصمت مسكنًا. متلازمة الانسحاب الهادئ ليست ضعفًا، بل وعيًا ناضجًا بالذات. وفي وقت بات فيه "الهدوء رفاهية"، يظل السكون خيارًا نادرًا، لكنه ضروري للبقاء متزنًا في زحمة الحياة.