"المنطلقات التي تقدمها الترامبية للعالم تسير في اتجاه تفكيك البنية السياسية الدولية من منطلق مؤشرات داخلية مؤثرة على البنية السياسية الداخلية في أميركا والتي عكستها بقوة تلك المستويات غير المعتادة من الصراع بين الحزبين الأزرق والأحمر، والذي انتقل من قمة السياسة إلى قاع المجتمع خلال العقد الماضي، مما أسهم في وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية". صدر لي كتاب تناول واحدة من أهم الظواهر السياسية في العالم الحديث، وهو أول كتاب باللغة العربية عن الظاهرة الترامبية التي تنسب مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اقتحم المسار السياسي في أعظم الديموقراطيات العالمية، واستطاع أن يؤسس لظاهرة سياسية أصبحت حديث العالم، لقد استطاع ترامب أن يبني الشخصية السياسية الخاصة بالترامبية، وأن يجعلها محور تدور حوله السياسة الأميركية خلال فترتيه الأولى والثانية، فالترامبية سلوك يمكن تفسيره وفق معطيات كثيرة معظمها متناقض مع الواقع الأميركي الذي يعرفه العالم، لقد كان السؤال الأهم يدور حول ما إذا كانت الترامبية مضادة للديموقراطية بمفهومها النظري والتطبيقي الذي شهدته أميركا خلال قرنين من الزمان، لذلك لم يكن صعود الرئيس ترامب لمرتين في المشهد السياسي الأميركي تقليدياً ولا صدفة محضة. فهو نتيجة منتظرة لتاريخ طويل من الصراعات السياسية في الداخل والخارج الأميركي، والحقيقة أن الواقع الدولي يقف بقوة خلف ظهور الترامبية كامتداد تاريخي للارتباك الحاصل في النظام الدولي، فالعالم من حيث النفوذ يعيش حالة سائلة إلى حد كبير، فالحرب الباردة كانت بمثابة الغراء الذي يساهم في إلصاق الأيديولوجيات بالنظم السياسية، ولكن بعد سقوط القطبية وغياب الاتحاد السوفيتي شهد العالم عملية انحسار كبير لديناميكيات الأيديولوجيات التي كانت تعمل على تثبيت العالم في مكانه السياسي المطلوب. البحث عن تفسيرات دقيقة للترامبية كنموذج صارخ للشعبوية ذات الصفات الحمائية والممزوجة بالانعزالية يتطلب فهم الواقع الدولي الذي لا يمكن فصله عن الحالة الترامبية التي ظهرت في أميركا من خلال التأثيرات التي تحدثها عملية التحرك نحو النظام العالمي وممارساته القائمة، للبحث عن الشكل المناسب كي يقبل العالم الإعلان الجديد لنظام دولي إما أن يوثق وحدة القطب الأميركي أو يعلن ولادة أقطاب متعددة أو يسمح لمواجهة ليس شرطاً أن تكون مواجهة عسكرية، ولكن يمكن أن تكون مواجهات شعبوية بين النماذج السياسية في العالم من خلال استخدام الحداثة وما بعد الحداثة كأدوات فاعلة وطرق تحقق السرعة في الترويج للمبادئ والمفاهيم. لقد عاد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية بينما كان مستبعدًا من العودة للبيت الأبيض، وحقق المفاجأة وقلب الموازين بأدوات سياسية خرجت من مسارها التقليدي وقلبت المعادلة، لذلك فإن عودة الترامبية من جديد إلى البيت الأبيض تعيد طرح السؤال ذاته من جديد حول مكونات الترامبية الأيديولوجية وأهدافها السياسية، فهي في فترتها الأولى أثبتت أنها تحمل في مكوناتها الشعبوية اليمينية والمحافظة الوطنية والقومية الجديدة. في هذا الكتاب، حاولت أن أقدم للقارئ تشريحاً يعتمد رؤية قادمة من خارج المجتمع الأميركي المشحون بفهم تاريخي والذي يحمل تفسيراته الخاصة لواقعه، فالترامبية بالنسبة لنا في الشرق الأوسط هي أحد معطيات الحداثة وما بعد الحداثة التي سوف تظل انعكاساً سياسياً أميركياً يعبر عن النفوذ والسلطة التي تمتلكها أميركا عبر العالم، ولكن هل ذلك هو المطلوب؟ فالترامبية التي تأتي في زمن الارتباك الدولي تفرض تفسيرها انطلاقاً من واقعها في المجتمع الأميركي إلى تأثيراتها الدولية التي ساهمت التقنية والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في نشرها ودمجها على المستوى الدولي. هذا الكتاب يجادل فكرة الترامبية كظاهرة سياسية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها أحد منتجات الديموقراطية الأميركية عبر تاريخها الممتد، فالتاريخ أشبه بالنهر كما يقول هيغل، والترامبية التي أتت بصيغة فرضت انتشارها الدولي بوسائل وأدوات تخصها تثبت أن الديموقراطية الأميركية ليست هي نهاية التاريخ وليست هي صدام الحضارات ولكنها نموذج يصعب التنبؤ بمنتجاته السياسية، فبقدر ما تأتي بعض المنتجات السياسية متوافقة مع نهر التاريخ الأميركي تأتي الأخرى على النقيض تماماً، ومن هنا أمكن القول إن الترامبية ممارسات تسعى لتغيير القواعد والقيم تحت شعار الصدمة، وهكذا هي نهاية السياسة. "المنطلقات التي تقدمها الترامبية للعالم تسير في اتجاه تفكيك البنية السياسية الدولية من منطلق مؤشرات داخلية مؤثرة على البنية السياسية الداخلية في أميركا والتي عكستها بقوة تلك المستويات غير المعتادة من الصراع بين الحزبين الأزرق والأحمر، والذي انتقل من قمة السياسة إلى قاع المجتمع خلال العقد الماضي، مما أسهم في وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية". الترامبية كما يجادل الكتاب "ليست ارتباطاً بشخص ترامب، تنتهي مع انتهاء ولايته، ولن تكون كذلك، وقد تتغير الصور بعد نهاية ترامب، وقد تعود مرة ثالثة، ولكنها امتداد تاريخي مستمر بمفهومها الأيديولوجي كحركة تسعى إلى تحقيق أهدافها في مسرح السياسية الأميركية، فقد أثبتت السياسية الأميركية تاريخياً للعالم أنها يستحيل معاشرتها بصيغة مستقرة ولكنها يمكن التعايش معها في حال فهم تطوراتها".