يعد التكيف أمراً مهماً ومفصلياً في علم الأنثروبولوجيا، لأنه يهدف إلى الموازنة والتكامل مع سلوكيات المجتمعات البشرية ومعتقداتها وقيمها وبنيتها الاجتماعية، وهو يساهم في خلق بيئة معتدلة وصحية، ولكن محاولة تغيير العالم أو إصلاحه أو السعي لإدارته تبعًا لرغباتنا هي محاولة فاشلة، وجهد ساذج، لأن النجاح والوصول لا يحتم علينا تسيير العالم بل يتطلب منا الاندماج في كل المجتمعات، ومع كل الفئات، لأننا ملزمون على التعامل مع الجميع فنحن لا نعيش في هذا العالم بمفردنا، بل نعيش مع الآخرين، ونطبق الكثير من الشراكات المجتمعية في أغلب أمور حياتنا، سواء في العمل أو الدراسة، أو الوسط الثقافي، أو المجال التطوعي، وغيرها من الممارسات المشتركة، ربما قديمًا كان التوافق بين الناس أسهل، وكانت العلاقات الاجتماعية أكثر مرونة، وذلك بسبب محدودية المجتمعات والمعارف والمهارات، حيث نجد أن أغلب الأحداث والأشياء متشابهه، سواء مواقف أو حكايات أو مشكلات أو احتياجات، ولكن في زمننا الحالي، وتحت ظل هذا الزخم من التحديث الاجتماعي، يعد رفض التغيير معضلة كبيرة، ويعد التمسك المعتم بوجهات النظر مشكلة، لأن انكماش العالم وتحوله إلى قرية صغيرة أدى إلى دخول الثقافات وتطوير المفاهيم، وتفاوت التفكير أيضًا، حتى مع أفراد المجتمع الواحد، التكيف لا يعني التخلي عن القيم أو المبادئ، ولكن يعني التعديل، والمحاولات الجادة في الانسجام مع الآخر، واستيعاب الجوانب المضادة، وتقبل الاختلاف، فالتكيف يساعد على التواصل الاجتماعي السوي، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين، في مختلف الأصعدة الأسرية، والعملية، والثقافية، ولو تطرقنا إلى هذا الوسط الثقافي، وتوغلنا فيه سنجد غزارة في الإنتاج الأدبي بمختلف أنواعه من الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، والهايكو، وغيرها من الفنون، سنجد تفاوت الأجيال والذائقة والمحتوى، وهنا وفي ظل هذا الاتساع ليس علينا سوى الاندماج والتكيف مع الاختلاف، ليس المطلوب منّا تغيير اتجاهنا الأدبي أو ذائقتنا، بل الاكتفاء بعدم مصادرة الآخر، وعدم نشر الإيحاءات السلبية نحو أي فن أدبي أو إنتاج أدبي، فالتكيف الثقافي أيضًا يعد من مهارات التواصل الاجتماعي المهمة، بالعموم يعد التكيف عملية سِلمية وفعالة لنمو المجتمعات وتطويرها، وغزارة الإنتاج المعرفي والمهني، والسلام الداخلي للأفراد.