يشهد السوق السعودي اليوم حركة ديناميكية متسارعة، حيث يزداد الاهتمام بتبني استراتيجيات اتصال مبنية على فهم عميق للثقافة المحلية والقيم المجتمعية، مع التركيز على الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة. هذا التوجه ليس ضرورة للتواصل الناجح فقط، بل أيضاً لبناء علاقات مستدامة تحقق نتائج إيجابية للمجتمع والشركات على حد سواء. ولا يمكننا تجاهل الأوضاع السياسية في المنطقة، كونها تلعب دوراً محورياً في تشكيل صناعة العلاقات العامة، التغيرات السياسية المتسارعة سواء كانت حروب أو أزمات أو اتفاقيات سلام، أو تحولات اقتصادية، تخلق تحديات وفرصًا في الوقت ذاته. إن الوضع السياسي المتغير يتطلب مرونة عالية من وكالات العلاقات العامة لتكييف الرسائل والأنشطة الاتصالية بما يتناسب مع المستجدات، مع الحفاظ على مصداقية المؤسسات والتزامها بالقيم المحلية. وهو ما يتطلب فهماً عميقاً لثقافة الجمهور المحلي. من جهة أخرى، تتيح هذه الأوضاع فرصاً لإعادة صياغة الصورة العامة للمؤسسات، وبناء علاقات ثقة متجددة مع الجمهور وأصحاب المصلحة ووسائل الإعلام. من أهم الأعمال التي يجب التركيز عليها في ظل تغيّر الأوضاع السياسة في المنطقة؛ العمل على إعداد دليل اتصالي مرجعي لعملية التواصل أثناء الأزمات، أو ما يسمى خطة إدارة الأزمات الاتصالية، بحيث يجب أن تتضمن السيناريوهات المتوقع حصولها، ونسبة الخطر والتأثير، وآلية التعامل معها، من خلال بناء خارطة طريق توضح الخطوات اللازمة لعملية التواصل خلال هذه التغيّرات. ولا يمكن بناء هذا الدليل أو الخطة دون دراسة دقيقة للأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، ودون فهم عميق للثقافة المحلية والقيم المجتمعية، لأن التواصل خلال الأزمات يعد عملية حساسة جداً، وأي خطأ في التواصل قد يسبب ردود فعل سلبية تزيد من الأضرار والخسائر، وقد يكلف المؤسسة خسارة سمعتها وصورتها الذهنية. من أهم النقاط التي يجب الاستفادة منها خلال هذه الأزمات، هي انتهاز الفرص، بحيث يتم تسليط الضوء على الأعمال الإنسانية والمبادرات المجتمعية التي تقدمها الشركات والمؤسسات لمجتمعاتها، فإن تأثيرها يكون مضاعفاً في ظل التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية، كما أن دعم الحملات التوعوية التي تعزز الوحدة الوطنية وتعكس توجهات رؤية 2030، يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في مجال الرصد الإعلامي وتحليل المحتوى وبناء الاستراتيجيات الاتصالية، من خلال جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات، مما يتيح لنا فهماً أعمق لما يهم الجمهور وكيفية تفاعلهم مع الرسائل المختلفة، إلى جانب رصد أبرز ردود الأفعال السلبية والإيجابية، ما يساعدنا على تطوير استراتيجيات تواصل أكثر دقة وفاعلية، مبنية على بيانات حقيقية وليس مجرد تخمينات. إن أنظمة الذكاء الاصطناعي تساعد في رصد منصات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، مثل التلفزيون والإذاعة والصحف، كما تساعد في تحليل توجهات الرأي العام، وهو ما يمكّننا من تطوير الخطط الإعلامية ومواكبة التغيرات المتسارعة في الساحة الإعلامية. ناهيك عن إسهاماتها في تقييم الأداء وتحسين جودة المحتوى وقياس تأثير الحملات. في النهاية، أؤمن بأن صناعة العلاقات العامة في المملكة ليست عن الإعلانات فقط، بل هي وسيلة لبناء جسور تواصل بين المؤسسات والمجتمع. وعلينا أن نستثمر في هذا المجال لنكون جزءاً فاعلاً من قصة النجاح الكبرى التي تشهدها بلادنا.