في خطوة جديدة نحو المستقبل، كشفت المملكة العربية السعودية عن تقرير إنجازات رؤية 2030 لعام 2024، والذي حمل في طياته رسائل واضحة حول التحول الوطني المتسارع، والتقدم الهيكلي في القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، وسط تناغم دقيق مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأممالمتحدة. ما تحقق لم يكن أرقامًا مجردة، بل إشارات عميقة إلى أن الرؤية السعودية أصبحت نموذجًا يمكن قراءته بلغة الاستدامة الشاملة. من أبرز المؤشرات التي وردت في التقرير، تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي تجاوز 5 %، مقارنة بمعدل النمو العالمي للاقتصادات الناشئة البالغ نحو 3.9 % وفق بيانات البنك الدولي، وهو ما يعكس التحول التدريجي من الاعتماد على النفط إلى نموذج اقتصادي متنوع. ويتسق هذا الإنجاز مع الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة (العمل اللائق والنمو الاقتصادي)، حيث يُسهم في خلق بيئة إنتاجية قادرة على توليد فرص عمل مستدامة. إضافة إلى ذلك، ساهمت برامج التخصيص والشراكة مع القطاع الخاص في رفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي إلى نحو 43% بينما لا تزال دول نفطية كبرى أخرى لم تتجاوز نسبة ال 30 % في هذا المؤشر، مما يعزز مناخ التنافسية ويحد من الاعتماد على الإنفاق الحكومي، وهو اتجاه يتناغم مع الهدف التاسع (الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية) والهدف السابع عشر (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف). كذلك سلّط التقرير الضوء على مبادرات نوعية في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية، من أبرزها التشغيل التجريبي لأكبر محطة للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، وزراعة أكثر من 65 مليون شجرة في إطار "مبادرة السعودية الخضراء"، وبذلك تفوقت المملكة على المعدل العالمي لمتوسط زراعة الأشجار سنويًا (40 مليون شجرة في المتوسط حسب تقرير UNEP لعام 2023)، وأصبحت ضمن أكبر 10 دول في الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، هذه الخطوات تعكس التزام المملكة ب الهدف الثالث عشر (العمل المناخي) والهدف الخامس عشر (الحياة في البر)، كما أنها تعزز التحول نحو الاقتصاد الدائري للكربون الذي يمثل استراتيجية متكاملة لإدارة الانبعاثات. كما أوضح التقرير أن عدد الزوار الدوليين للمملكة في عام 2024 تجاوز 27 مليون زائر، مدفوعًا بحزمة من التسهيلات وخطط تطوير الوجهات السياحية مثل العلا والدرعية. وبجانب الأثر الاقتصادي المباشر، فإن هذا الزخم في القطاع السياحي يخلق وظائف، ويحفز ريادة الأعمال، ويُسهم في تحقيق الهدف الثاني عشر (الاستهلاك والإنتاج المسؤولان) من خلال تحسين كفاءة الموارد. كما تم تنظيم أكثر من 4.000 فعالية ثقافية، واستضافة أكثر من 70 فعالية رياضية دولية في وقت تستثمر فيه دول كبرى مثل إيطاليا وفرنسا في أقل من 3.000 فعالية ثقافية سنويًا في المتوسط، مما يعزز الدبلوماسية الناعمة ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في الاقتصاد الإبداعي، وهو مجال حديث يعزز كلًا من الهدف الرابع (التعليم الجيد) والهدف العاشر (الحد من أوجه عدم المساواة). وفقًا للتقرير، بلغت نسبة رقمنة الخدمات الحكومية 97 % مقارنة بمتوسط دول مجموعة العشرين الذي بلغ 85 % بحسب تقرير الحكومة الرقمية الصادر عن البنك الدولي 2023، مع توسيع نطاق تغطية الجيل الخامس إلى 100 % في المناطق الحضرية، وإطلاق أكثر من 150 مبادرة في الذكاء الاصطناعي. هذه الإنجازات تؤكد التقدم الكبير نحو التحول الرقمي الشامل، الذي يعزز الشفافية والكفاءة ويُمكّن الوصول العادل للخدمات، بما يتماشى مع الهدف السادس عشر (السلام والعدل والمؤسسات القوية). لم يغفل التقرير الدور المحوري لرأس المال البشري، حيث أشار إلى إدخال مناهج في الذكاء الاصطناعي والبرمجة في التعليم العام، وارتفاع التغطية الصحية إلى 96 %، ومشاركة المرأة في سوق العمل إلى 35.5 % مقارنة ب11 % فقط عام 2016، متجاوزة متوسط دول الخليج (29 %)، وقريبة من المعدل الأوروبي (37 %) حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، كل هذه المؤشرات تؤكد اتساق الجهود مع الهدف الثالث (الصحة الجيدة والرفاه)، والهدف الخامس (المساواة بين الجنسين)، والهدف الرابع (التعليم الجيد). إن ما تحقق في عام 2024 لم يكن حصيلة خطط تقنية أو مشاريع مستقلة، بل هو نتاج رؤية شاملة وضعت الاستدامة في قلب سياسات المملكة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إن ما يميز الرؤية السعودية هو قدرتها على الموازنة بين الطموح والواقعية، بين الابتكار والمحافظة، وبين الريادة الوطنية والانفتاح العالمي. ختامًا.. وفي ظل ما أظهره التقرير من منجزات، فإن المملكة تسير بخطى واثقة ليس فقط نحو تحقيق مستهدفات 2030، بل نحو ترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية ومجتمعية فاعلة في دعم أجندة الاستدامة العالمية.