في مدونات الحكايات الشعبية السعودية حكايات عديدة تحدث فيها ولادات إعجازية (أو خارقة)، وهي ولادات غير مألوفة قد تحمل فيها المرأة من دون اتصال مع أي رجل، أو ينتفخ بطنها فجأة بعد تناول نباتٍ عجيب أو فاكهةٍ سحرية، وربما أنجبت كائناً غريب الهيئة لا يُشبه سائر الأطفال؛ وغالباً ما يكون قدوم ذلك المولود مسبوقاً بالقنوط المصحوب بالتضرّع إلى الله -عز وجل- بتحقّق الإنجاب حتى لو كان المولود من جنسٍ غير بشري، كأن يكون غولاً أو نباتاً أو حيواناً أو كائناً مشوهاً. البكرة جميلة ومن أشهر الحكايات الخرافية العالمية في هذا الباب حكاية (عقلة الإصبع) المنشورة في (حكايات الأخوين غريم)، وفيها تتمنى المرأة العاقر أن تُرزق بولد "ولو كان ابناً وحيداً، ولو كان بحجم عقلة الإصبع"، وبعد أشهر تحققت رغبتها فولدت طفلاً مُكتمل الأعضاء لكنه كان ضئيلاً جداً بطول الإبهام، وكبر لكنه ظلّ في نفس حجمه. وفي حكاياتنا الشعبية السعودية نجد أن هذه الصورة من الولادات الإعجازية هي الأكثر شيوعاً، حيث تتحقّق رغبة الوالدين أو أحدهما في الإنجاب بعد التمنّي أو التضرع إلى الله بالدعاء، ولكن فقدان الأمل وضعف اليقين بالإجابة تدفع الداعي لطلب حدوث الولادة مهما كان نوع المولود. ففي حكاية (محمد وزوجته العاقر)، المدونة في أساطير الشيخ عبدالكريم الجهيمان (ت2011م)، ازداد قلق الزوجة وخشيت طلاق زوجها أو زواجه من غيرها بعد مرور سنوات لم تنجح فيها جميع السبل للإنجاب، فتتوضأ في الثلث الأخير من الليل وتبتهل إلى الله أن يرزقها مولوداً "حتى ولو كان حيواناً.. بكرة.. أو قعوداً"، وعندما حملت وخرج المولود من بطنها فإذا هو "بكرة صغيرة جميلة"، وقد اختار لها والدها اسم "جميلة". وكان لها قدرة على خلع جلدها لتتحوّل إلى "فتاة جميلة رشيقة باهرة القوام". راس الفجلة في حكاية خرافية أخرى، وردت في (التبات والنبات) للدكتورة لمياء باعشن، تدعو الأم المحرومة من الإنجاب ربّها أن يرزقها بطفلة "حتى ولو كانت راس فِجْلَة"، وقد استجاب الله لدعائها فرزقها ببنت على هيئة نبات الفجل الأبيض، ففرحت بها وسمّتها "قُرّة العين"، وعندما كبرت راس الفجلة صارحت أمها برغبتها في الزواج من ابن السلطان فضحكت منها لغرابة رغبتها، لكن ذكاء راس الفجلة وإصرارها على رغبتها مكناها من تحقيق رغبتها الغريبة، فعندما ساعدت في شفاء بنت ملك الجان صدفةً حوّلتها من هيئتها النباتية لتصبح في لمح البصر "شابة زي القمر بياضها زي النهار وشعرها زي سواد الليل". الغولة ضبّة أمّا في حكاية (دعوة أمها) المدونة في كتاب (قالت حامدة: أساطير حجازية) للأستاذ عبده خال، فلم يكن الدافع للتضرع إلى الله طلباً للإنجاب هو العقم التام، بل الرغبة في إنجاب مولود من جنسٍ مُحدّد، فبعد أن أنجبت زوجة التاجر سبعة أولاد ذكور دعت الله وهي في حملها الأخير: "يا رب اجعل هذا البطن بنتاً حتى ولو كانت غولة". فاستجاب الله لها لتنجب غولة مُفترسة ذات أنياب، ويغطي وجهها الشعر، وقد رآها أخوها الأصغر وهي "تحمل الحصان حملاً وتقرض وريده وتمصّ دمه مصّاً حتى لم تبق في عروقه قطرة دم، ثم تجندله وتنبش بطنه وتلتهم أمعاءه كاملةً وتمسح فمها"! ابنة الكلبة وتأتي رغبة الإنجاب، في حكاية من غرب السعودية اسمها (شهوة أمي)، من الرجل لا من المرأة، فعندما سأم المزارع من العيش وحيداً، وقنط من الإنجاب بعد تكرار الزواج عدة مرات، دعا ربه قائلاً: "يا رب ارزقني ببنت حتى لو من كلبتي". وبعد مدّة من الزمن ولدت الكلبة التي تعيش معه "أربعة جراء وطفلة واحدة"، ومع أنه صعق من هذا الحدث غير المتوقع إلا أنه أخذ البنت ورعاها إلى أن كبرت وزاد جمالها ودلالها. وفي أحد الأيام رآها السلطان فأعجب بها وتزوجها، وعندما حملت منه امتنعت عن الطعام علّلت ذلك بأنها تشتهي ما تشتهيه أمها، وأكّدت على أنه: "لا يعرف شهوة أمي إلا أبويه"، وعند استدعاء والدها المزارع أدرك ما تشتهيه بسهولة، إذ أحضر لها قطعة من لحم حمار ميت "سعى بين لحمه وعظمه الدود وفاحت نتانته! الترونجية في بعض الحكايات الخرافية تحدث الولادة بعد تناول نباتٍ أو فاكهة عجيبة أو مادةً سحرية، وقد يحصل الحمل لامرأة متزوجة أو عزباء، وقد يحمل الرجل ويلد ولادة إعجازية كما في واحدة من أشهر الحكايات وهي حكاية الترونجية/الترنجة التي ترد بصيغ وعناوين عديدة في مدونات الحكايات السعودية، ففي الصيغة التي ذكرها الجهيمان بعنوان (صالح مع زوجته والترنجه) تستمر زوجة صالح في البحث عن علاج فعّال للعقم وهي لا تعلم أن العقم في زوجها، وقد طلب منها أحد المعالجين الشعبيين شراء "ترنجة" من السوق ثم أسقاها بدواء خاص مجهول، وعند عودتها للبيت انشغلت فجاء زوجها صالح فأكل الترنجة وهو لا يعلم بأنها وصفة علاجية، وبعد أشهر شعر بألمٍ شديد في فخذه ثم لاحظ التورم الحاصل فيها، وبعد الفحص تبين أنه يحمل جنيناً داخل فخذه، فأجريت له عملية جراحية أخرج الأطباء منها "طفلةً صغيرةً متكاملة التكوين"، وقد تخلّص من المولودة بوضعها في عش طائر في قمة شجرة ضخمة. وفي الصيغة المدونة عند عبده خال بعنوان (الترونجية) يُناول البائعُ المرأةَ التي لا تنجب حبتين من الترنج ويطلب منها أكل حبّة قبل أن يأتيها زوجها والثانية يأكلها الزوج نفسه وسيرزقهما الله بالذّرية، وبعد شهر شعر الزوج "أن نفسه تعوف رائحة زوجته"، ثم تضخم حجم "بطة رجله اليمنى"، وبعد تسعة أشهر شق بطة رجله "فخرجت منها صبية في غاية الجمال". وتتشابه الصيغة التي دونها الدكتور سمير الضامر تحت عنوان (ترنجة السطح) في كتابه (احزايه) -إلى حد كبير- مع صيغتي الحكاية عند الجهيمان وخال. وللحديث بقية عن الولادات الإعجازية. عبدالكريم الجهيمان عبده خال لمياء باعشن سمير الضامر