في تراثنا الشعبي السعودي حكايات خرافية كثيرة تتصل بموضوع الرزق، وهي حكايات تتراوح فيها نبرة الوعظ بين الارتفاع والانخفاض، كما تركز في مجملها على تعزيز ما ورد في الشريعة الإسلامية من نصوص تتحدث عن تقدير الله -عز وجل- لأرزاق البشر والكائنات القويّ منها والضعيف. ومن بينها حكاية «رزق الدودة» المدونة في كتاب (قالت حامدة: أساطير حجازية) للأستاذ عبده خال، وفيها يتأمل النبي سليمان -عليه السلام- نملةً تحمل حبّة قمح إلى شاطئ البحر ثم تقترب من ضفدعة تفتح فمها لتدخل فيه، وقد تعجّب النبي حين عادت الضفدعة من تحت الماء وفتحت فمها لتخرج النملة من دون حبّة القمح، وحين سألها عن شأنها أخبرته بوجود دودة عمياء داخل صخرة مجوفة في قعر البحر، وأن الله وكّلها بحمل رزقها، وأضافت: «وسخّر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرّني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها...»، وأخبرت النبي أن الدودة تُسبّحُ لله وتدعوه قائلة: «يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك، لا تنسَ عبادك المؤمنين برحمتك». وقد أشار خال إلى الآية التي يبدو أن الحكاية تستلهم دلالتها: «وما مِن دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها». جبل الأرزاق وتتميز حكاية (جبل الأرزاق)، التي دوّنها الأستاذ مفرج السيد في كتابه (قصص وأساطير شعبية من منطقة المدينةالمنورة)، بمحاولة الراوي تجسيد مفهوم الرزق، وفيها يعزم الرجل الفقير على الرحيل إلى مكان يُسمى جبل الأرزاق ليطلع على رزقه عن كثب، وعند صعوده للجبل وجد منابع بعضها يتدفق منه الماء بغزارة شديدة، وبعضها متوسط التدفق، فاستفسر عنها فقيل له: «هذه أرزاق فلان، وهذه أرزاق فلان»، وكانت لأشخاص يعرفهم في بلدته، ثم رأى «جحراً صغيراً ضيقاً تخرج منه نقطة ثم يقف ساعة كاملة فينقط نقطة أخرى»، وحين سأل قيل له إن هذا المنبع الضيق هو رزقك، فاستأذن ليعمل على توسيع المنبع ليزيد رزقه فأُذن له، «فأخذ عوداً صغيراً من الشجر وأدخله في الجحر فانكسر العود فيه وتوقفت النقط كلياً»، وبعد ذلك يعبّر الفقير عن حسرته ويأسه من إعادة فتح المجرى الضيق بتمنّي الموت، فيظهر له ملك الموت ضاحكاً مما جرى، ثم يمنحه أداةً عجيبة ويدلّه على طريقة يكسب بها رزقه بواسطتها إلى أن أمسى صاحب شهرة وثروة كبيرة، وفي نهاية الحكاية يعود ملك الموت ثانيةً لقبض روحه. الحكاية، كما يتضح، تؤكد على أن الرزق والأجل أمران قدّرهما الله -جل جلاله- ولا يمكن للإنسان التأثير فيهما مهما احتال أو بذل من وقته وطاقته. إخفاء الرزق وثمة حكايات جميلة يُلمح فيها الراوي إلى مسألة تتعلق بالرزق، وهي أن المرء مُطالبٌ بالحذر وإخفاء مصدر رزقه أو ما يكتسب من أموال لأنها قد تكون عُرضةً للسرقة أو الحسد أو احتيال الآخرين للاستيلاء عليها، ومن تلك الحكايات حكاية موجزة دوّنها السيّد ضمن (قصص المنبهين في ليل النائمين)، وتحكي عن فقيرٍ سمع منبهاً يطلب منه الذهاب إلى مكان محدد، ويخبره بأنه سيجد رزقه وهو عبارة عن «جنيه ذهب موضوع على حجر أملس»، وقد استجاب الرجل لطلب المنبه وصار يذهب إلى ذلك المكان يومياً ليأخذ الجنيه الذهبي ويشتري به ما يحتاج من السوق، وعندما لاحظ الناسُ تغير حاله بحثوا عن السر واستعانوا بأقرب الناس له وهو أخوه لمعرفة الحقيقة، وقد أخبر أخاه، بعد إلحاح شديد، بسر رزقه، وفي اليوم التالي ذهب على عادته لذلك المكان، الذي لا يعرفه أحدٌ غيره، لكنه «لم يجد الجنيه وتردد على المكان عدة مرات ولكن دون فائدة»! السوط السحري كما تُنبّه حكاية خرافية أخرى تشيع لدى كثير من شعوب العالم إلى أهمية حجب سر الرزق عن الآخرين، وقد وردت في عدد من مدونات الحكايات السعودية بصيغ مُتنوّعة، ودوّنها السيّد تحت عنوان (قصة الحطاب)، وفيها يبرز للحطاب الفقير رجلٌ غريب يُبدي انزعاجه من الضوضاء التي يُحدثها يومياً وهو يقطع الأشجار بفأسه، ثم يتفق معه على التوقّف عن الاحتطاب مقابل منحه شاةً يحلب أحد ضرعيها عسلاً والآخر حليباً، وعند عودته إلى بلدته طلب من الراعي أن يأخذها للمرعى وتساهل في إخباره بالمزية العجيبة التي تمتاز بها، فطمع فيها الراعي واستبدلها بشاةً شبيهة لها. وفي المرة الثانية عوّض رجل الغابة الحطابَ بمكيالٍ يمتلئ بالذهب عندما يُطلب منه ذلك، ولكنه سُرق من جارتهم بعد أن أفشت لها زوجة الحطاب سر مكيال الذهب. أما في المرة الثالثة فأعطاه رجل الغابة «سُفرة» يحضر فوقها أي طعام يشتهيه الإنسان بمجرد طلبه، وقد اغتصبها منه والي البلدة حين بلغه خبرها، وخاطب الحطاب الفقير باحتقار: «هذه السفرة تصلح للملوك وليست للصعاليك»! في المرّة الأخيرة عبّر رجل الغابة عن سخطه من التفريط الحاصل ثم منح الحطابَ أداةً سحرية كان لها دور استثنائي مزدوج، إذ أعطاه سوطاً وطلب منه أن يُحكم إغلاق الباب على نفسه ويطلب منه أن يملأ له الغرفة ذهباً، وألا يسمح لأحد بفتح باب الحجرة مهما حدث، فصدّق الحطاب هذا الكلام وحين طلب ملء الغرفة بالذهب تحوّل السوط «إلى مارد كالنخلة السحوق، وأخذ يضرب الحطاب حتى غشي عليه من شدة الضرب وعاد السوط إلى حالته». رغم العقوبة المؤلمة التي تلقاها الحطاب من السوط إلى أنه استفاد منه فائدتين عظيمتين: الأولى أنه فهم «الدرس الذهبي» الذي يجهله وهو ضرورة المحافظة على سر الرزق وعدم مشاركته مع الناس، والفائدة الثانية تمكّنه من استعادة الكائنات والأدوات العجيبة المسلوبة من: الراعي والجار والوالي، وذلك بواسطة السوط السحري نفسه، ثم اتخذ قراراً يثبت أنّه استفاد من الدرس جيداً بالرحيل إلى بلاد بعيدة استمتع فيها بمزايا الأدوات السحرية التي يمتلكها، أما السوط فيخبرنا الراوي في نهاية الحكاية أن الحطاب «وضعه في دولاب وقفل عليه وأخفى مفتاحه في جيبه وقال له: نم هنا يا صديقي لوقت الحاجة»! مفرج السيد غلاف قالت حامدة غلاف كتاب قصص وأساطير شعبية