هذا الموضوع مهم ومتشعب، ولكن سأحاول اختصاره واختزال أهم خطوطه العامة. أهمية هذا الموضوع تأتي لسببين، الأول كون هذا المقال؛ مقال تأسيسي لمنظور عام وعلمي في الوقت ذاته، والسبب الآخر أنه مرتبط بعدة مرجعيات أساسية في الهيكل التنظيمي الرسمي، وأهمها دارة الملك عبدالعزيز، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة للترفيه، ووزارة التعليم، وببساطة يمكن الإشارة إلى علاقة هذه الجهات بالرواية، وبالتالي بإنتاج نسق روائي في شكل جديد وعلاقة حديثة، ووفق معطيات متنوعة ومتعددة، وهو تعدد وتنوع صحي يمنح النسق الروائي السعودي تنظيم واضح، وتنوع إثراء وعمق، مما يجعل من هذا النسق المتساند المتكامل عنصر تعزيز حقيقي في إعطاء الرواية مكانتها المهمة والمرموقة منذ ولادتها ووصولا إلى نموها وظهور ملامحها الأدبية والإبداعية والاجتماعية كما هي عليه في وقتنا الحاضر. بدأ تشكل هذا النسق الروائي السعودي في الفترة القريبة الماضية من خلال برامج ومبادرات جعلت من الرواية مادتها الأساسية، وسيتضح مفهوم النسق عند استعراضنا لعلاقة الجهات الأربع بالرواية دون أن ندخل في تفاصيل لتعريف النسق من وجهة النظر الأدبية أو الاجتماعية، فدارة الملك عبدالعزيز تبنت مشروع تاريخنا قصة، ووزارة الثقافة جعلت من الرواية عنصر في بوتقة رؤيتها من خلال هيئة الأدب والنشر والترجمة، والهيئة العامة للترفيه أطلقت مسابقة القلم الذهبي لتحويل الروايات الفائزة إلى إعمال سينمائية، ووزارة التعليم تفاعلت مع هذا المشهد المتطور للرواية من خلال قاعاتها وفصولها التعليمية ونتاجها الأكاديمي، والمفارقة الجميلة في هذه الساحة الروائية السعودية أنها جذبت روايات لكتاب غير سعوديين أصبحوا جزءا من النسق الحديث للرواية السعودية، ويأتي هذا الجانب أكثر وضوحا في جائزة القلم الذهبي. هذه المفارقة منحت مفهوم النسق بعدا آخر، وأهمية أكبر تحتاج إلى إعادة النظر في النسق في شكله التنظيري أو مفهومه التطبيقي، والذي يبدو أنه تأثر إيجاب ضمن ما تأثر بمعاني الثقافة السائلة وصورتها متجددة التشكيل والشكل. ماذا يعني نسق حديث للرواية السعودية -على حد علمي لا يوجد نسق بمثل هذا المستوى من التنسيق والوضوح على مستوى العالم-؟ يعني أن أدواتنا النقدية بحاجة إلى أن تتطور أيضا وتتنوع بما يؤهلها إلى درجة من الدقة والموضوعية والعلمية تمكنها من إنتاج قراءات نقدية ودراسات شاملة على مستوى عال يتوافق مع درجة هذا النسق المستحدث والذي جمع بين أصالة المفهوم الروائي، وتجدد الممارسة الروائية وتنوع فلسفاتها وثيماتها المتحركة، ويعني ضمن ما يعني أن الرواية أداة تأثير وبناء حقيقي، كما أنها تحمل طاقة جذب تجعل منها ميدان رحب ومحبب لممارسة متنوعة تجمع حول نواتها مسارات ومدارات تجسد أفق رحب وسماء مشاهدة من مختلف مناطق الإبداع وأعين الإنسانية. د. عبدالله بن محمد العمري