تُعدّ الحرف اليدوية في المملكة العربية السعودية من أبرز ملامح الهوية الثقافية، وجزءاً لا يتجزأ من الإرث الحضاري الذي يعكس تنوع البيئات والمجتمعات المحلية في مختلف مناطق البلاد. فمن سواحل البحر الأحمر إلى أعماق الصحراء، تنبض الأيادي السعودية بحرف تعود إلى مئات السنين، ما زالت تنقل من جيل إلى آخر بإتقان وعناية. تقاليد متجذرة في التاريخ.. برزت الحرف اليدوية في السعودية في سياقات متعددة، كان أبرزها الحاجة اليومية والتعبير الفني. فنجد في الجنوب مثلاً، صناعة الخناجر والنسيج التقليدي المعروف ب"العصابة"، بينما تشتهر المنطقة الشرقية بصناعة السلال من سعف النخيل، وصياغة الذهب والفضة. أما منطقة نجد، فكانت موطناً لحرفة السدو، وهي نسج بيوت الشعر والفرش باستخدام صوف الأغنام ووبر الإبل. المرأة والحرف اليدوية.. لعبت المرأة السعودية دوراً محورياً في حفظ هذا التراث. فقد كانت هي من تتولى حياكة الملابس التقليدية، وصناعة البخور والعطور، والرسم بالحناء، وصناعة الأواني الفخارية. هذه المهارات، وإن بدت بسيطة، إلا أنها حملت في طياتها ثقافة كاملة، نقلت تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الماضي. الحرفيون بين الأمس واليوم.. رغم ما تعرضت له الحرف اليدوية من تراجع بفعل الحداثة والتصنيع، فإن السنوات الأخيرة شهدت انتعاشاً لافتاً لهذا التراث، بفضل الجهود الحكومية والمبادرات الأهلية التي عملت على دعمه وتوثيقه. فقد أطلقت وزارة الثقافة السعودية مبادرات لتسجيل الحرف في قائمة التراث غير المادي لدى اليونسكو، وأُسّست أسواق ومهرجانات مخصصة لدعم الحرفيين المحليين، مثل سوق عكاظ ومهرجان الجنادرية. استدامة اقتصادية وثقافية.. لم تعد الحرف اليدوية مجرد فن تراثي، بل تحولت إلى مصدر دخل للكثير من العائلات، وأساس لاقتصاد محلي متنامٍ. فمع تصاعد الاهتمام العالمي بالمنتجات الأصيلة والمستدامة، أصبح للحرفيين السعوديين سوق واعدة داخل المملكة وخارجها، خصوصاً مع تزايد حركة السياحة الثقافية. يبقى تراث الحرف اليدوية في السعودية شاهداً حياً على غنى هذه الأرض وتنوعها. هو إرث لا يعيش في المتاحف فقط، بل في تفاصيل الحياة اليومية، وفي قلوب أولئك الذين آمنوا بأن الحفاظ على الماضي هو جزء من صناعة المستقبل.