في هذه الزاوية سيأخذنا الناقد والأكاديمي المغربي محمد آيت لعميم أحد الوجوه البارزة في المشهد الثقافي المغربي والعربي، إذ أسهم في إثراء المكتبة العربية بمؤلفات نقدية ودراسات وترجمات وأعمال إبداعية إلى عوالم القراءة والرواية من خلال ما اطلع عليه مؤخراً ويوصي القراء بقراءتها: "ذهول ورعدة" للكاتبة البلجيكية إيميلي نوتومب تعالج الروائية عبر شخوصها وساردها تسلط شركة يابانية، حيث الأوامر التي تنزل بشكل هرمي تبدو عبثية وفيها نوع من العنصرية المبطنة والمعلنة ضد المجتمع الغربي، لقد أبرزت الرواية بشكل قوي هذا الإحساس بالعبث للوجه الآخر لليابان، من خلال تفكيك العلاقات داخل يوميموطو الشركة العملاقة التي تلتهم العاملين فيها، وتجعل كل واحد منهم جلاداً وضحية في الآن نفسه. لم يشفع لبطلة الرواية ولادتها في إحدى المقاطعات اليابانية كنصاي، بل ظل ينظر إليها على أنها غريب يمثل الذهنية الغربية. "مانديل بائع الكتب القديمة" ستيفان زفايغ رواية قصيرة الحجم هائلة المحتوى، من مادة قليلة صنع زفايغ تحفة أدبية خالدة، وهنا تكمن قوة هذه الرواية القصيرة. تحكي الرواية بشكل مشوق عبر تقنية التذكر قصة رجل غريب الأطوار يدعى جاكوب مانديل، بائع كتب قديمة، كان يقتعد طيلة حياته طاولة في زاوية مقهى غلوك في مدينة فيينا وهو الذي صنع مجد ذلك المقهى حيث كان أساتذة الجامعة والطلاب من كل فج يحجون إليه، فقد كان بمثابة فهرس كوني جوال، يعرف كل الكتب بجميع طبعاتها وأماكن صدورها وتواريخ الإصدار. كان مظهره قذراً، ضامراً، أشعث دميم الخلقة وصاحب ذاكرة جبارة. خلف جبينه الشاحب القذر، كما لو أنه مغطى برغوة رمادية، نقش كما ينقش على البرونز، بيد شاحبة خفية، كل اسم وكل عنوان مطبوع على الصفحة الأولى لكتاب. وسواء صدر الكتاب أمس أو قبل مائتي عام، بوسعه أن يذكر كل شيء عنه. يتذكر كل الكتب بوضوح عميق، التسفير والرسوم والنسخ المطابقة للأصل. يعرف المكتبات أكثر من أصحابها. كان لا يملك شيئاً عدا سحر التذكر الذي لا يضاهي. وخارج الكتب، كان هذا الرجل الغريب يجهل العالم. فتجليات الحياة لا تغدو ملموسة لديه إلا حينما تتحول إلى حروف مطبوعة في وريقات كتاب. "أيام إيمانويل كانط الأخيرة" توماس دي كوينسي يتناول لحظات مهمة في حياة الفيلسوف الألماني الكبير كانط، الذي "لا يوجد فيلسوف على الإطلاق، باستثناء أرسطو، يستطيع الادعاء بأنه يضاهي كانط في مدى التأثير الذي مارسه على عقول الناس". وربما هذا هو الأمر الذي يسوغ صياغة هذه النبذة من حياته التي تبرز أن الفلسفة كانت لديه منوال تفكير ونمط عيش في آن معاً. إذ كان كانط صارماً في حياته صرامة نسقه الفلسفي، ويقدس الواجب في معاملاته اليومية إذ جعله منشودًا لذاته. دي كوينسي تناول مرحلة الطفولة والتحصيل المعرفي والنبوغ المبكر لكانط، والحياة اليومية لديه ثم أخيراً يرصد اللحظات الأخيرة قبل أن يتهاوى الجسد النحيل في غياهب الموت مربياً خاصاً لأبناء بعض العائلات، ثم تولى كرسي الرياضيات وبعده سيتولى كرسي المنطق والميتافيزيقا. كان كانط يستفسر دوماً عن أحوال تلاميذه السابقين، وكانت تغمره السعادة حين تصله عنهم أخبار سارة. "عمارة السعادة" آلان دو بوتون يتناول الكتاب بأسلوب مشرق ومشوق سؤال الجمال والوظيفة في العمارة منذ القديم إلى اليوم، ويبرز طبيعة المعمار الذي يوفر السعادة للساكنة. ومن خلال عرضه يمرر مجموعة من النظريات الهندسية والمعمارية التي كانت من وراء تطور العمارة، وتداخل الأساليب العمرانية عبر الأزمنة، وفي هذا الكتاب يبين الصلات الخفية بين المباني التي نسكنها وبين حسن أحوال الناس على المدى البعيد، إذ ما الذي يجعل بيتاً من البيوت ذا جمال حقيقي؟ ولماذا تبدو بيوت جديدة كثيرة قبيحة جداً؟ ولماذا نخوض نقاشات حادة حول الأرائك واللوحات؟ وهل يمكن إيجاد حل لتباين الأذواق؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يتناول دو بوتون مباني كثيرة من الأكواخ الخشبية إلى ناطحات السحاب، إنها جولة طويلة حول تاريخ العمارة والتصميمات الداخلية. "مغامرات قارض الكتب" سام سافاج ترحل بنا الرواية في عالم الكتب والمكتبة، وفي العوالم السفلى حيث الجرد فيرمين يجد نفسه وأسرته عالقين في قبو مكتبة. كان المكان الدافئ العفن الذي لجأ إليه هو مقام كتب، ومتحف لكنوز منسية، ومقبرة ما لم يقرأ وما هو غير قابل للقراءة، لقد كانت الكتب التي مزق أو التهم ترسم له مسار حياته، فأولى لحظات كفاحه من أجل الوجود والبقاء على قيد الحياة كانت هي تمزيق رواية موبي ديك، وهو أمر قد يشرح طبيعته المغامرة. أما حين يشعر أنه متوحش منبوذ، فإنه يكون مقتنعاً بأن الذنب ذنب دونكيشوط. كان فيرمين يعيش مع والدته و12 من إخوته التي صنعت كومة هائلة من الورق وراحت تسحبها بجهد عظيم، وتجرها إلى ذلك الكهف الصغير المظلم الذي عثرت عليه. ففرمين ولد ونام ورضع فوق الهيكل المشوه للتحفة الفنية الأقل قراءة في العالم. رواية فينغاز ويك لجويس، هذه الرواية المتاهية، والإليغورية نلمح فيها بورخيس ومقبرة الكتب المنسية، وهي رحلة طويلة مع الكتب، وإعطاؤها أبعادًا تاويلية أخرى منظوراً إليها من خلال قارض كتب يتمتع بموسوعية. الناقد والأكاديمي المغربي محمد آيت لعميم