قطف الحجاجُ ثمرةَ التنظيم المتقَن الذي سعت المملكة العربية السعودية إلى إرساء قواعده في هذا الموسم، وقد جاءت تعليمات الجهات المعنية بتنظيم الحجِّ دقيقةً مبنيّةً على مراعاةِ المصلحة العامّة، وجرى تطبيقها على أرض الواقع بكل احترافيّةٍ ومهنيّةٍ.. لقد رأينا ورأى معنا القاصي والداني النجاح الباهرَ الذي اتَّسمَ به موسم حج 1446 هجرية وما شهده من تنظيم متقن، وبهذه المناسبة السعيدة نحمد الله تعالى ونشكره، فهو الموفِّق وبنعمته تتمُّ الصالحات، ثم نتوجه إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، صاحب السّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -أيدهما الله ورعاهما- بأصدق التهانئ على هذا الإنجازِ، الذي ما كان ليتحقّق إلا بتيسير الله تعالى، ثم بما بذلته القيادة الرشيدة من جهودٍ متنوِّعةٍ، لا تقف مسيرة تطويرِها عندَ حدٍّ معيَّنٍ، ويُسخَّر لها من الموارد الماديّة والمعرفية والبشرية كل ما يتطلّبه الوضعُ، كما نهنئ جميع الجهات المعنيّة بتنظيم الموسم من مدنيةٍ وعسكريةٍ بقيامها بمسؤولياتها على الوجه اللّائق المشرِّف، وبإذن الله تعالى سيكون هذا النجاح الرائع خطوةً أخرى إلى الإمام، وتجربةً تُستنتج منها الدروس الإيجابية؛ لاستثمارها في خدمة الحرمين الشريفين أتمَّ خدمةٍ، وقد عهدْنا من دولتنا المباركةِ المملكةِ العربية السعودية حرصَها -في كل مجال- على أن يكونَ النّجاح منطلقاً لسلسلةٍ من النجاحاتِ التي قدْ يُنسي جديدُها قديمَها، لكنّه لا يُكتفى به، ولا يقول لسانُ حال المخطِّط لها: هذه الغاية التي أقف عندها، ولتطوير الحرمين الشريفين وتأمين الأمن والسلامة والبيئة المناسبة لقاصديهما حظٌّ وافرٌ من هذا، ولي مع نجاح الموسم وقفات: الأولى: قطف الحجاجُ ثمرةَ التنظيم المتقَن الذي سعت المملكة العربية السعودية إلى إرساء قواعده في هذا الموسم، وقد جاءت تعليمات الجهات المعنية بتنظيم الحجِّ دقيقةً مبنيّةً على مراعاةِ المصلحة العامّة، وجرى تطبيقها على أرض الواقع بكل احترافيّةٍ ومهنيّةٍ، وفي هذا رسالةٌ واضحةٌ مفادها أن لا مكانَ للفوضى في المشاعر المقدسة، وأن القيام بالأمانة المنوطة بالمملكة العربية السعودية يستوجب أن لا يُترك الحبلُ على الغارب للعشوائية، وأن لا يُسمح لكل أحدٍ بأن يرتكب ما يُفضي إلى مفسدةٍ عامةٍ؛ لظنه أنها في صالحِه، والشرعُ لا يأذن في الفوضى، بل يدعو إلى التنظيم، وهذا لا يخفى على من تأمّل حرص الشريعةِ على النّظام، وضبط الأمورِ، ووضع أمور الناس في يدِ قيادةٍ واحدةٍ تسوسها؛ وذلك لأن آحاد النّاس يغلب فيهم أنهم لا يلتفتون إلا إلى مصالحهم الشَّخصية، وإذا حاول أحدهم تحصيل ما يظنه مصلحته لم يبالِ بتقاطعها مع مصالح الآخرين، ولا ينكفُّ عن منفعةٍ له ضيّقةٍ صوريّةٍ تنطوي على كثيرٍ من المفاسد العامّة، فكان لا بدَّ من وجود اليد العُليا التي تكفُّ هذا عن ذاك، وتحقق للجميع المصلحة المشتركة، فتصرُّفها هو مصلحةٌ للفرد والمجتمع؛ ولأجل ذلك شددت أوامر الشرع على وجوب طاعة وليِّ الأمر، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). الثانية: انسيابيّة شعائر الحج ضرورةٌ ملحَّةٌ، تتحقق من خلالها الضروريات الكبرى، ففي ذلك حفظٌ لركنٍ من أركانِ الإسلام، وحفظٌ لأعدادٍ غفيرةٍ من النفوس، وحفظٌ للأموال وللأعراض، كما أن في ذلك إدخال الفرحةِ والسرور إلى بيوت المسلمين في أرجاء المعمورة، فما من بيتٍ غادره حاجٌّ إلا وأفراده مشغولون بالتفكير في سلامته وأمنه، والظروف التي سيؤدي فيها مناسكه، ولا شك أن تلك البيوت قد زُفَّت لها بشرياتٌ كثيرةٌ بما لقيه أفرادها الحجاجُ من توفُّر وسائل الأمن والراحة والرعاية الطبيّة لهم، والمملكة العربية السعوديّة بذلت في ذلك الغالي والنّفيس، ويبقى على كلِّ أحدٍ أن يُسهم فيه من خلال الانقياد للأنظمة التي وضعت لتحقيق الهدف، فإن فَعَلَ ذلك بنية السمع والطاعة لولي الأمر، وبنية الإسهام في احترام هذه الشعيرة والمحافظة على سلامة الحجاج، فهو مأجورٌ على نيته الصالحة، ومن حاول أن يتخطى النّظام فعليه وزر ذلك، ورجال أمننا البواسل له بالمرصاد، ولن يستفيد شيئاً إن شاء الله تعالى. الثالثة: من علامات أهل الغلِّ والحسد أنهم يصمتون صمت الجماد إذا أنجز من يحسدونه، أو تجددت له نعمةٌ، وإلى هذا الصُّمات سيلجأ أصحاب الأصواتِ التي يحلو لها أن تنتقد، فلن تسمع لهم الآن إشادةً بما تحقق من إنجازٍ، ولا تشجيعاً لمن كانَ السببَ في هذا النجاحِ ممن أمر وبذل، ومن سهر ونظّم، ومن أشرف ونفّذَ، فعلى أؤلئك الحساد ينطبق نعت الحاقد الذي وصفه من قال: صُمٌّ إذا سمعوا خيراً ذُكِرْتُ بهِ ... وإن ذُكرْتُ بسُوءٍ عنْدهُمْ أذِنُوا إن يَسْمَعُوا سَيّئاً طَارُوا بِهِ فَرَحًا ... مِنِّي وما سَمِعُوا من صالحٍ دَفَنُوا على أننا لا نستجدي منهم تشجيعاً ولا دعماً معنويّاً، فالمُبطِل لا يُشجِّعُ الحقَّ، ولا يدعمُه، وإنما علامةُ الإنجاز أن يمتعض منه الحاسد، وأن يتألّم من أجله الحاقد.