تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    مكاسب الهلال من بلوغ دور ال16 في كأس العالم للأندية    5 شراكات جديدة لدعم مستفيدي إنجاب الشرقية    إحباط محاولة تهريب أكثر من 732 ألف حبة من مادة الإمفيتامين المخدر    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    شاموسكا إلى التعاون.. واتفاق بين نيوم وجالتييه    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    مواعيد مواجهات دور ال16 من كأس العالم للأندية    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    الذهب يتجه لثاني خسارة أسبوعية    الصين تؤكد تفاصيل الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    الهلال يتأهل إلى دور ال 16 في مونديال الاندية    طقس حار الى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    أخلاقيات متجذرة    الأسيرة الفلسطينية.. حكاية الألم    دول أوروبية بلا حدود داخلية    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    تحسن أسعار النفط والذهب    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مرور العام    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفاء
نشر في الرياض يوم 04 - 06 - 2025

تعويدُ الإنسان نفسَهَ على الوفاء بالعهود والعقود يجعله على الجادّة الصحيحة، وهو مما يعلو به شأن صاحبه، وقد امتدح النبيُّ صلى الله عليه وسلم صهراً له فقال عنه: (حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي)، أخرجه البخاري، كما أن الوفاء يُشيع الوئام في المجتمع..
الوفاءُ من الخصال الحميدةِ التي لا يستهين به العاقل، وهو يدخل في أبوابٍ كثيرةٍ، وحقيقته الشاملة لتلك الأبواب: إتمام الإنسانِ ما يجب عليه إتمامُه، ومن هنا نشأت أهميّتُه وصعوبته، أما الأهميَّة؛ فلأن مجيء الإنسانِ بما عليه من الالتزامات على الوجه اللائق عنوانٌ لحصول كل ذي حقٍّ على حقِّه، وبهذا تتحقق مصالح كل طرفٍ، وأما الصعوبة؛ فلأن النفس أمارةٌ بالسّوءِ إلا من رحم الله، وحملها على محاسن الأخلاق ومكارم الشِّيم بالاستعانة باللهِ تعالى، ثم بالترويض لها وصبرها على مكارهِها، فالصفات المحمودة شرعاً وعرفاً تحتاج إلى مصابرةٍ، وحسن الوفاءِ مما يعضُّ عليه المؤمنون بنواجذهم، ويتنافس عِلْيةُ الناس في التحلّي بحليته، وقد كانت العرب متشبثة به في جاهليتِها، فلا يألو ذوو المروءات منهم جهداً في الوفاء بعهودهم ومواثيقهم، يتمدَّحون بذلك، ويشيدون بأهل الوفاء، ولو عرفوا عن فلانٍ من الناس غدرةً ارتكبها لظلُّوا يعيرونه بذلك، ثم جاء الإسلام فقرر الوفاءَ، وأكّد على مركزيّته في معاملة العبد لربِّه سبحانه وتعالى، وفي تعاملاته مع الناس، وجعل التفريطَ في الوفاءِ بالعهد من خصالِ النّفاقِ العمليِّ، ولي مع الوفاء وقفاتٌ:
الأولى: أول ما يجب الوفاء به عهدُ الله وميثاقه، وعهد الله يتناول العهدَ الذي أخذه على بني آدم حين أخرجهم من صُلب آدم، وهو المذكور في قوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، والإقرار بعبودية الناس لربّهم يقتضي الوفاءَ بكلِّ ما فرضه عليهم، وهذا الوفاء لازم للمكلَّف أصالةً، وقد يجب عليه الوفاء بحقِّ الله تعالى من خلال إلزامه لنفسِه، كالنذر لله تعالى في القربات، فالطاعة المنذورة لله تعالى يجب الوفاء بها، وقد مدح اللهُ تعالى عباده بأنهم: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)، وكذلك ما توجبُه اليمين المنعقدة، فإما إبرار قسمه بفعل ما حلف على فعله إن ساغ، أو ترك ما حلف على تركه إن ساغ، وإلا فكفارة يمين، وقد قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَان)، ومن التهاون بالعهد ما يصنعه بعض الناس من أنه يحلف بالله تعالى ثم يمرُّ كأن شيئاً لم يكن، ولا يبالي أحنث في يمينه أم لا، بل لو تبين له حنثه لم يرفع رأساً للكفارة، والوفاء بهذه الأمور المذكورة حقٌّ لله تعالى، وقد أوعد اللهُ تعالى من نقض عهده وأخلَّ به، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
الثانية: هناك عهودٌ وعقودٌ في الوفاء بها حقٌّ لله من جانبٍ، وحقٌّ للعبادِ من جانبٍ آخر، وذلك في العهد الذي أمر الله عباده بإبرامه، كعهد البيعة الذي يأخذه وليُّ الأمر على رعيته، فهذا العهد فيه حق الله تعالى؛ لأنه أمر بأن يُعقد، وأمر بأن يُلتزم به، ونهى عن نقضه، وفيه حقٌّ لوليِّ الأمر؛ إذ من حقه الإخلاص له وطاعته، وفيه حقٌّ لعامةِ الناسِ؛ إذ في الإخلاص للإمام مصلحةٌ عامّةٌ، وفي غشِّه مفسدةٌ عامّةٌ، ومن العهود التي تتضمن حق الله تعالى وحقوق عباده: العقود اللازمة الجارية بين الناس في معاملاتهم مما أذن لهم فيه، فقد أوجب الله تعالى الوفاءَ بها، وهو أيضاً حقٌ لكلٍّ من المتعاقدين، قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون) "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبَادَهُ بِالْوَفَاءِ بِعُهُودِهِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِآخَرِينَ بِعُقُودٍ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَقٍّ مِمَّا لَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ"، ومن الوفاء الذي يؤدّي به العبدُ حقَّ الله وحقوق عباده مقابلةُ الإحسانِ بمثله وحفظ حقِّ أهل المودَّة، وهو حقٌّ يقبل التوارثَ المعنويَّ، فأصدقاء الوالدِ يستحقون أن يقابلهم ولدُه بالمبرَّة، وفي الحديث الصحيح: (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
الثالثة: تعويدُ الإنسان نفسَهَ على الوفاء بالعهود والعقود يجعله على الجادّة الصحيحة، وهو مما يعلو به شأن صاحبه، وقد امتدح النبيُّ صلى الله عليه وسلم صهراً له فقال عنه: (حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي)، أخرجه البخاري، كما أن الوفاء يُشيع الوئام في المجتمع، والعكس بالعكس فالاستخفاف بحقوق الآخرين يضع من مكانة صاحبه، ويُهيِّج الشنَآن، ويُوغِرُ الصدورَ، ويحمل كثيراً من الناس على إضمار الشّر للغادر، وعدم الإنصاف من أكثر أنواعِ القطيعة وتوتُّرِ العلاقة بين القرابة والأصدقاء والشركاءِ، وصدق من قال:
‌إِذَا ‌أَنْتَ ‌لَمْ ‌تُنْصِفْ ‌أَخَاكَ وَجَدْتَهُ ...
عَلَى طَرَفِ الْهِجْرَانِ إِنْ كَانَ يَعقِلُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.