كانت الطريق وما زالت علامة على الانتقال من مكان إلى آخر، ومن هنا كانت دلالتها مكانية، وارتبطت بالجغرافيا وتضاريسها، وهذا هو المعنى الحقيقي والأصلي لها، فالطريق مسلك يقصده الناس من جهة إلى أخرى، وفاقاً لغايات متنوعة، ومقاصد مختلفة، غير أن هذه الغايات، وتلك المقاصد قد اختلفت وتنوعت بحسب الطريق وسالكيه، وبحسب الجهة التي يسير منها السالكون، أو يسيرون إليها؛ لذلك كان من أنواع الطرق: طريق المدينة، وطريق القوافل، وطريق السفر، وطريق الأحياء، وطريق البيوت، وطريق السابلة، أو السبيل، أو السبل، وهي الطرق المسلوكة كثيراً، وكل تلك الأنواع إنما هي أمارات وإشارات على ما يسلكه الإنسان للوصول إلى وجهته التي يريد. ولئن كانت الطرق منذ القديم طرقاً عامة، وطرقاً خاصة، وطرقاً للسفر، وأخرى للحضر (أي للمدينة)، فقد تنوعت في أن بعضها طرق للتجارة، وهي تلك التي تسلكها القوافل التجارية، وقد عُرف بعضها بهذا الاختصاص، فأصبح يطلق على الطريق مع طوله ومشقته طريق كذا، وربما نسبوه إلى مكان بعينه، كطريق الشام، وطريق العراق، وطريق اليمن، وطريق الشرق، وطريق الغرب، وطريق البحر، وطريق الساحل، وما شابه ذلك، وربما نسبوه إلى مكانٍ وزمانٍ مخصوصين، كطريق الحج مثلاً. على أن من أشهر الطرق طرق التجارة، ومنها: (طريق الحرير) الذي يهدف إلى تعزيز التجارة، وتبادل السلع والخدمات، بين الصين والبلدان الأخرى، وهو طريق معروف وقديم، ومثله (طريق الكهرمان)، وهو طريق تجارية قديمة، كان التجار يسلكونها في بيع سلعة (الكهرمان) انطلاقاً من المناطق الساحلية في بحر الشمال، وبحر البلطيق إلى البحر المتوسط، ومن الطرق (طريق البخور)، وهو شبكة قديمة من طرق التجارة البرية والبحرية القديمة التي تربط بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط بشبه الجزيرة العربية المنتجة للبخور، والتوابل، وغيرها من السلع الفاخرة، ومثله (الطريق الملوكي)، وهو من الطرق التجارية القديمة في منطقة الشرق الأوسط، يبدأ من مصر، ويمتد إلى الأردن، ثم سوريا. ويأتي (طريق مكة) اليوم ليضرب أروع الأمثلة في جماليات الطرق ونفاستها، فليس هو بطريق تقليدي، أو طريق تجاري، وإنما هو طريق ديني، إنساني، يعكس صورة مغايرة للطرق العصرية، وهو أنموذج فريد يكشف عن شيء من الجهود العظيمة، والمبادرات الكثيرة، التي تقدمها مملكتنا الحبيبة تجاه ضيوف الرحمن، يأتي هذا الطريق شاهداً على الاعتناء بالحجاج، وذلك من خلال تسهيل إجراءات حجهم، وتمكينهم من الدخول إلى بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بكل سلاسة، وتيسير تنقلاتهم من مطارات بلدانهم إلى أماكن إقامتهم في مكةالمكرمة، والمدينةالمنورة، والمشاعر المقدسة. إن طريق مكة مبادرة رائعة أطلقتها وزارة الداخلية وشركاؤها ضمن (برنامج خدمة ضيوف الرحمن)، وهو أحد برامج رؤية السعودية 2030، وقد بدأت مبادرة هذا الطريق في عام 2018، ثم أُطلقت المبادرة بشكلها الكامل، لُتحدث تغييرًا جذرياً في إثراء تجربة الحجاج القادمين من سبع دول، وهي: المغرب، وباكستان، وماليزيا، وإندونيسيا، وبنجلاديش، وتركيا، وساحل العاج، وقد حققت هذه المبادرة أرقاماً تستحق الفخر، إذ وصلت نسبة رضا المستفيدين بحسب الإحصاءات إلى (99.45 %)، وهي نسبة عالية جداً، تدل على القبول، والارتياح، والإعجاب. واليوم في عامها السابع، وصلت إلى مملكتنا الحبيبة آخر رحلة لمبادرة (طريق مكة) قادمة من مملكة ماليزيا، وكم سرّني منظر المنظّمين السعوديين عندما رأيتهم يستقبلون ضيوف الرحمن بالباقات الجميلة، والابتسامات اللطيفة، وينثرون في طريقهم الورد.