شئنا أم أبينا، تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها اليوم على معظم جوانب حياتنا؛ إنهم معك، ومع أولادك، وحديث جيرانك، وربما في صميم تخصصك وعملك؛ ليس بفضل مواهبهم أو إنجازاتهم، بل ربما بفضل قدرتهم على صياغة قصص مثيرة، حتى لو كانت بعض تلك القصص مبنية على الأكاذيب أو التهريج. وهذه المشكلة لا تقتصر في تأثيرها على الأشخاص الذين يعتلون قمة الشهرة ومتابعيهم فقط، بل تمتد إلى المجتمع بأسره؛ فالجمهور الذي يُفترض أن يكون حارسًا للقيم والأخلاق، أصبح في كثير من الأحيان شريكًا في هذا التضليل والتسطيح؛ حيث نرى البعض ينتقدون المشاهير بسبب تصرفاتهم غير الأخلاقية أو الكاذبة، ولكن مع مرور الوقت، نجدهم يحتفون بنفس الأشخاص الذين انتقدوهم سابقًا، مدفوعين برغبتهم في أن يكونوا جزءًا من الحديث العام (الترند)، أو ببساطة لأنهم تأثروا بسلوك القطيع. وكم شاهدنا من يرفض الاحتفاء ببعض المشاهير الفارغين وينتقدهم، ثم لا يلبث أن ينضم إليهم مع أول فرصة، أو يطلب التصوير معهم عند أول صدفة، حتى أصبحت الحدود بين من نحتفي بهم ومن ننتقدهم ضبابية وغير واضحة! والحقيقة التي نتجاهلها أننا نحن من نصنع هؤلاء المشاهير الفارغين بمتابعتنا لهم، وإعطائهم من وقتنا وانتباهنا ما لا يستحقون.. إن كل مشاهدة، وكل تفاعل، وكل مشاركة تسهم في تضخيم صورتهم وإبرازهم كنجوم، حتى وإن كانوا مجرد واجهات خالية من المعنى، فنحن من نرفعهم إلى القمة، ثم نتذمر من تفاهة القمة، دون أن نراجع دورنا في صناعتها. لقد أصبحت الشهرة معيارًا مستقلًا للنجاح، لا يشترط معها أي إنجاز حقيقي أو قيمة مضافة؛ فمجرد الظهور المتكرر، أو إثارة الجدل، أو ركوب موجة (الترند)، قد يجعل من الشخص قدوة أو مرجعًا شعبيًا، حتى لو خالف المنطق، أو أهان الذوق العام، أو أسهم في ترسيخ الرداءة كسلوك مقبول ومُحتفى به. ومن هنا تنشأ المفارقة، وتنشأ حالة الارتباك؛ وكأنه كلما زاد إتقان الشخص للكذب والخداع والتسطيح، زادت مكافأته من قبل المجتمع، فيما يُهمل ويُهمَّش الأشخاص الذين يسعون إلى نشر الفضيلة والمحتوى المفيد، لأنهم لا ينسجمون مع (الترند) الذي يفضل البريق على الجوهر. يجب أن نتذكر أن دورنا كأفراد في المجتمع لا يقتصر على مجرد الاستهلاك، بل نحن مسؤولون عن الاختيار بين من نحتفي به ومن ننتقده.. فإذا استمررنا في مكافأة التسطيح وتهميش العمق، فإننا بذلك نسهم في بناء مجتمع مرتبك يرفع الزائفين ويهمِّش الصادقين.