جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    رصد مسيرات بالقرب من مسار رحلة زيلينسكي إلى دبلن    واشنطن تستضيف قرعة كأس العالم 2026 اليوم    آل جارالله عضواً بلجنة إصلاح ذات البين بسراة عبيدة    موجة حر شديدة تضرب سيدني    ميزانية 2026.. المواطن أولاً في مسيرة التنمية    ب 56 ميدالية .. السعودية تتصدر العالم في بطولة كمال الأجسام    هدف متأخر يقود سوريا لتعادل مثير مع قطر في كأس العرب    بدأ العد التنازلي.. أقل من 30 يومًا تفصلنا عن انطلاق رالي داكار السعودية 2026    ارتفاع أسعار النفط بعد هجمات أوكرانية استهدفت بنية تحتية روسية للطاقة    أمير جازان يؤدي واجب العزاء لأحد أفراد الحماية في وفاة شقيقته    ملامح الخليج القادم    وزير التعليم يؤكد استمرار تطوير التعليم في تبوك وتعزيز البنية الرقمية وتهيئة البيئة التعليمية    من ذاكرة الطفولة    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    منتدى القطاع غير الربحي الدولي بالرياض.. خارطة طريق لتعزيز الاستدامة والابتكار في القطاع    غداً .. "الأخضر تحت 23 عاماً" يفتتح مشواره بمواجهة البحرين في كأس الخليج    "بيرنيز" تفوز بجائزة PRCA MENA 2025 لأفضل حملة علاقات عامة لمشروعٍ عقاريٍّ في السعودية    نائب أمير الشرقية يطلع على عدد من الجوائز والاعتمادات العالمية لتجمع الشرقية الصحي    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يرعى حفل الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    الأسهم العالمية ترتفع، والدولار يتجه لأطول سلسلة خسائر منذ 50 عام    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    تحت رعاية خادم الحرمين .. العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة ينطلق في التاسع من ديسمبر الجاري بالرياض    نوفمبر دوري يلو".. غزارة تهديفية في 4 جولات    السودة للتطوير والشركة الوطنية لنقل الكهرباء توقعان اتفاقية بقيمة 1.3 مليار ريال لإنشاء البنية التحتية الكهربائية لمشروع قمم السودة    مفتي عام المملكة يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون    الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا تقرر اختصاص المحاكم الإدارية بنظر الدعاوى المتعلقة بمزاولة المهن الصحية    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    "يونا" تستضيف اجتماع الطاولة المستديرة حول التعاون الإعلامي بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    في ذمة الله    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    محافظ جدة يدشن معرض المنتجات الغذائية و«خيرات مكة»    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    تسحب الجمعة في واشنطن بحضور كوكبة من المشاهير.. العالم يترقب قرعة مونديال 2026    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    قمة خليجية- إيطالية في البحرين لترسيخ الشراكة    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهير التواصل: السُّخرية مهمّة إيقاظية أم تَتْفيه وتباهٍ بالجهل؟
نشر في الرياض يوم 14 - 02 - 2020

بالوعي والثقافة وصياغة الوجدان النقي السليم المؤمن بوطنه وفكره وإرثه وعلمه يمكننا قيادة العالم؛ لا بخطابات التسطيح وحملات التتفيه التي أتيحت لها منابر وسائل التواصل دونما تقييد أو ترشيد..
لم تفاجئني النبرة المتحسّرة التي شابت حديث الناقد والكاتب المثقف العميق الدكتور سعيد السريحي وهو يعلّق على مقطع ساخر لأحد المشاهير بوسائل التواصل الاجتماعي وهو يصف المثقفين ب"الغثيثين" إلى آخر ما جاء في مقطعه من صفات لهم ووصمهم بالكذب وغيره. جاء توصيف السريحي لاذعاً وعميقاً وناكئاً لِجُرحٍ مُضمَرٍ لا يلبث أن يظهر مع كلّ حديث أو إساءة للمثقفين وحالهم المتقلّب وتذبذب علاقتهم بالمجتمع وما يعتور هذه العلاقة من تجاذب ونوسان حول القبول والرفض والتعاطف والنبذ. السريحي في تعليقه العميق على المقطع أجاب قائلاً: هذا ما رُرِزئتْ به وسائل التواصل الاجتماعي.. هذا الصوت الذي يجهل، ويجهل أنه يجهل لم يكن له أن يكون مُتداولاً لولا هذه المواقع. ويضيف: مواقع التواصل أتاحت للناس أن تتباهى بجهلها؛ أتاحت لمن لم يكن يجد كرسيّاً لكي يُصغي أن يتكلّم؛ ما كان لمثل هذه الأصوات أن تظهر فضلاً عن أن تُؤثّر. ويسأل السريحي بحُرقة المثقف الغيور المذيع عبدالله المديفر: تخيّل أنك تتحدّث مِن منبر يتحدّث فيه أو من خلاله أمثال هؤلاء؟ ويجيب: هنا تأتي المأساة.. هكذا وصف السريحي المشهد بالمأساة؛ وهو وصف له ما يبرّره، وتقودنا لمسألة السخرية أو الضحك وكيف يتعاطى معها مثل هؤلاء المشاهير ووفق أي ثقافة أو شعور أو منطلق يبثّون أفكارهم وقصصهم وتندّراتهم حول الشأن العام أو أي شأن آخر؟
نظرة سريعة على تلك المقاطع تعكس خواءً فكرياً وثقافياً مُرعباً؛ إذ لا هدف سامياً أو قيمة معرفية أو ثقافية قد تستشفّها من هذا الخواء؛ هذا إذا افترضنا أنّ ثمة وعياً وثقافةً تصدر من قبل هذا الركام التسطيحي الذي رُزئت به مواقع التواصل باختلاف أقنيتها عموماً؛ لا يمكننا أن نفترض أنهم يتعاطون مع السخرية بوعي عميق مطهّر للعقل أو تلك الوظيفة الإيقاظية التي افترضها ميلان كونديرا وشدد على الوظيفة الأخلاقية للسخرية في قدرتها على تحريره من المُطلقات وترسيخ نظرة دنيوية للعالم وتضفي ذلك البريق الذي يكشف العالم في التباسه وتمنحه السخرية وقتئذٍ نشوة نسبية الأشياء. السخرية تمنحنا القدرة على رؤية الأشياء مجرّدة من مسلمات وتجعل العالم موضوع السخرية مرئياً لنا في ضوء علاقات نسبية غير قطعية.
ينبثق الضحك -كما يعبّر- الناقد عبدالله إبراهيم "في ظاهر الأمر، من المُباينة، والمفارقة -أي من اللاتوافق- غير أنه، يهدف في باطنه إلى التوافق والانسجام" فالسخرية -بحسب إبراهيم- في إظهار الفوارق بين الأشياء يراد بها خلق الأُلفة، ومحو المغايرة التي ترسم تناقضاً لا سبيل إلى حلّه إلا بالضحك الذي يلغي التراتب بين الأحداث المتعارضة، فإشاعة السرور كافية بخلع المهابة عليها.
ليس الجانب الاستظرافي هو الوحيد الذي رزئت به وسائل التواصل؛ وإنما تجاوز الأمر إلى العنف الرمزي الذي ينذر بفظاعات مرعبة تصل إلى حد الإيذاء والتعريض بالأشخاص والقذف وغيرها من مثالب وعيوب لا تليق بنا ككائنات إنسانية تعيش عصر الحضارة والمعلومة والصناعة الحديثة والعصرنة والتطور في شتى حقول العلم والمعرفة وصياغة الإنسان.
مثل هذه الخطابات العنفية والتسطيحية ليست الروافع التي يؤمل منها مسايرة ومواكبة عصرنا التاريخي الذي يتطلّع لأخذ موقعه وريادته بين الأمم المتحضّرة. بالوعي والثقافة وصياغة الوجدان النقي السليم المؤمن بوطنه وفكره وإرثه وعلمه يمكننا قيادة العالم؛ لا بخطابات التسطيح وحملات التتفيه التي أتيحت لها منابر وسائل التواصل دونما تقييد أو ترشيد أو حتى توعية لأمثال هؤلاء المتباهين بجهلهم.
نظام التفاهة أو عصر التفاهة الذي نظّر له وأفاض في شرحه والتحذير منه الفيلسوف الفرنسي المعاصر آلان دو؛ خليق بأن يتم تدارسه ووضع الحلول لمجابهته؛ إذ لم تعد التفاهة شأنأً محلياً أو إقليمياً؛ وإنما مرض عصري أثقل كاهل العالم بأسره؛ وكأننا إزاء تفاهة معولمة!
في مقدمة كتاب نظام التفاهة الذي ترجمته د. مشاعل الهاجري ويدور حول فكرة محورية: نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة؛ تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجياً إلى سيطرة التافهين؛ وعبر العالَم - تلفت المترجمة أننا نشهد صعوداً غريباً لقواعد تتّسم بالرداءة والانحطاط المعياريين: فتدهورت متطلبات الجودة العالية وغُيّب الأداء الرفيع، وهُمّشت منظومات القيم، وبرزت الأذواق المنحطّة وتسيّدت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.