لاحظ كل من شاهد المباراة الأخيرة للهلال أمام القادسية في الجولة الرابعة والثلاثين من دوري روشن أن شيئًا ما قد تغيّر في شكل الهلال، فوزٌ بهدفين دون رد لم يكن فقط مجرد انتصار رقمي يُضاف إلى سجل الأزرق! بل كان بيانًا حيًا صريحًا مكشوفا المعالم عن عودة الروح وعودة النبض واتقاد الهمة، كانت مباراة مختلفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى اندفاع غير معتاد، والتحام جسدي وذهني كامل، وركض لا يهدأ، وحماس يكاد يُرى في العيون قبل الأقدام، الكل تساءل ماذا حدث للهلال؟ من الذي ضغط زر الإيقاظ في هذا الفريق الذي يملك كل شيء ويُطالب بكل شيء؟ الجواب الأول جاء من المدير الفني المؤقت الكابتن محمد الشلهوب الذي أوضح ببساطة أن الحرص على المباراة لم يكن في مزيد من الضغط بل في تقليل التوتر، لم يُعسكر اللاعبون بل تركهم ينامون في منازلهم كأن لسان حاله يقول: «الراحة تولد الإبداع لا الصرامة» لكن ذلك وحده لا يفسر ذاك الحضور الشرس وتلك الروح التي أُشعلت فجأة! أما الجواب الأعمق والأكثر بلاغة فجاء من فم نجم الوسط البرتغالي روبن نيفيز حين قال: «لا يليق بريال مدريد ألا يلعب في دوري الأبطال فكذلك الهلال لا يليق به إلا أن يلعب في البطولة الآسيوية». هنا في هذه الجملة وحدها يختصر نيفيز كل شيء، لا حاجة لخطب طويلة ولا شعارات عريضة الكلمة المفتاح في حديث نيفيز ليست الهلال ولا ريال مدريد ولا حتى الآسيوية الكلمة المفتاح هي (يليق): يليق كلمة صغيرة تحمل في طياتها كل مفاهيم الهوية والمكانة والكرامة والانتماء، يليق تعني أن الهلال لا يشارك فقط في البطولات بل يُفترض به أن يتسيدها، أن وجوده في القمم ليس طموحًا بل قاعدة: أن التراجع عنه هو الخروج عن النص والانقلاب على المألوف. لقد فهم نيفيز بل بلغ مغزى الهلال ليس من خلال عدد المباريات أو عدد الأهداف بل من خلال القيمة، ومن خلال الإحساس بالهوية التي يحملها هذا الكيان الأزرق العريق فالهلال في عقيدة نيفيز ليس مجرد نادٍ سعودي بل هو مشروع بطولة تاريخ يمشي شخصية قارية تمامًا كما هو ريال مدريد في أوروبا. نيفيز هذا اللاعب الأجنبي القادم من عالم آخر وثقافة أخرى لم يحتج إلى سنوات من الغوص في تعقيدات الوسط الهلالي بل لخص كل شيء في كلمة واحدة يليق. من أين للهلال هذا الولاء من محترفيه السابقين والحاليين؟ من أين له هذه الفكرة المتكررة في وجدان لاعبيه: أن اللعب له ليس مجرد عقد احترافي بل شرف يتطلب الوفاء! والجواب يكمن في أن الهلال لا يختار محترفيه لمجرد المهارة، بل لا بد أن تتجاوز أقدامهم حدود المستطيل الأخضر وتدخل في دهاليز القيم التي بُني عليها هذا النادي، الولاء للهلال لا يُصنع بل يُستثار يولد في قلوب من يصدقون أن القميص الأزرق ليس ثوبًا يُلبس بل عباءة تُشرف، نعم روبن نيفيز اختصر كل شيء. سعود الضحوك