يُعد الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وشعيرة عظيمة يجتمع فيها المسلمون من شتى بقاع الأرض لأداء مناسك فرضها الله على من استطاع إليه سبيلًا، ولأن الحج عبادة وليس سياحة، فإنه يتطلب من الجميع إدراك قدسية هذا الركن، وتعظيم شعائره، واستشعار مسؤوليتهم الفردية والجماعية في الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي وضعتها الدولة - حفظها الله - لتيسير أداء هذه الشعيرة في أجواء من الأمن والطمأنينة والتنظيم المحكم. إن أهمية التعاون مع الجهات المسؤولة خلال موسم الحج أمر لا يمكن التغاضي عنه، بل هو ضرورة شرعية ووطنية وتنظيمية. فحين نتأمل المشهد العام في المشاعر المقدسة، ندرك حجم الجهود العظيمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين في سبيل خدمة ضيوف الرحمن، حيث تتكامل فيها جهود عشرات الوزارات والهيئات والمؤسسات في تناغم دقيق، هدفه الأسمى تسهيل أداء المناسك وتمكين الحجاج من إتمام حجهم بأمن وسلامة وطمأنينة، إن الجهات الأمنية والصحية والخدمية والإرشادية لا تدّخر جهدًا في خدمة الحجاج، وهي تُسخّر كوادر بشرية ضخمة، مدعومة بتقنيات حديثة وتجهيزات متطورة، تعمل ليلًا ونهارًا طوال موسم الحج. وتُعد هذه الجهود مشهدًا حضاريًا يبعث على الفخر والاعتزاز لكل مواطن، ويعكس صورة المملكة الحقيقية كقائدة في خدمة الإسلام والمسلمين، تُولي الحرمين الشريفين كل عناية واهتمام. ولذلك، فإن من واجب كل حاج ومشارك في موسم الحج، مواطنًا كان أو مقيمًا أو زائرًا، أن يعي أن أي خروج عن التعليمات هو إخلال بالنظام، وتعدٍ على حق الآخرين، بل وقد يُعرّض حياة الناس للخطر. إن الالتزام بتعليمات المرور والتنظيم، والالتزام بمواعيد التفويج، وعدم الدخول للمشاعر المقدسة دون تصريح، أمور ليست فقط قوانين وضعية، بل هي متطلبات شرعية تُسهم في حفظ النظام العام، وتحقيق مقاصد الشريعة في التيسير ودفع الضرر، فالحج ليس مناسبة للظهور أو الاستعراض أو ارتكاب ما يخالف الذوق العام أو النظام، بل هو عبادة خالصة، تتطلب الطهارة الظاهرة والباطنة، والانضباط في القول والفعل، واحترام المكان والزمان والإنسان. وليس من المقبول أبدًا أن يُعامَل الحج كرحلة سياحية أو نزهة موسمية، بل هو موقف عظيم يجتمع فيه الناس على صعيد واحد، يلبون نداء الله ويتجردون من مظاهر الدنيا، طلبًا للغفران والقبول. وقد أثبتت التجارب الماضية أن التعاون مع الجهات المعنية يُسهم في نجاح موسم الحج، ويخفف الضغط على الخدمات، ويُجنّب الجميع مشاهد الزحام والمخاطر. بينما يؤدي التهاون أو المخالفة إلى تعطيل المصالح، والإضرار بالحجاج، والتسبب في أزمات كان من الممكن تلافيها بقليل من الوعي والانضباط. إن نجاح موسم الحج كل عام يُعد ثمرة لوعي المواطنين والمقيمين، وتعاونهم مع الدولة، وتقديرهم للجهود المبذولة. وهذه النجاحات لا تأتي مصادفة، بل هي نِتاج تخطيط دقيق، وتجارب متراكمة، وعمل مستمر على مدار العام، ومتابعة ميدانية دقيقة، بإشراف مباشر من القيادة الرشيدة التي جعلت خدمة الحرمين الشريفين على رأس أولوياتها. ونؤكد أن الحج موسم عبادة عظيمة، وفرصة لا تتكرر لكثير من الناس، ويجب أن يُؤدى بروح الطاعة والتجرد والتعاون، وليس بروح الاستهتار أو المخالفة. والالتزام بالأنظمة، والتعاون مع رجال الأمن والمرشدين والعاملين في الميدان، هو جزء من العبادة، بل هو واجب ديني وأخلاقي، يُعبّر عن نضج المجتمع، وتقديره لنعمة الأمن والتنظيم، فالحج عبادة لا سياحة، ومسؤولية لا فوضى، وتعاون لا تعنت. نسأل الله أن يعين الجميع على أداء الحج على أكمل وجه، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين خير الجزاء على ما يقدمانه من خدمات جليلة لضيوف الرحمن، وأن يديم على بلادنا الأمن والاستقرار. * رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية