تُعدّ الأخلاق الحميدة من أعظم ما يُبنى عليه صلاح المجتمعات واستقامة الأفراد، وقد قيل: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، في إشارة إلى أن الحياء هو أحد أركان الفضيلة، فإذا غاب انفتح الباب لكل سلوك مستهجن، ومع الانتشار الواسع للتقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت في متناول الجميع صغارًا وكبارًا، أصبحنا أمام محتوى متنوع يحمل النافع والضار، المفيد والمثير، ما يحتم علينا التذكير بأهمية الأخلاق ودورها في بناء الأمم. قال أمير الشعراء: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا فصلاح الأمم يبدأ من تهذيب النفس، كما جاء في البيت: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم وحين يُصاب المجتمع في أخلاقه، تكون الفاجعة أعظم: إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا وهنا تتجلى قيمة الحياء، فهو شعبة من شعب الإيمان، وركن مكمل للأخلاق، ومن أروع صور الحياء ما ورد في قصة الفتاة التي جاءت إلى نبي الله موسى عليه السلام "تمشي على استحياء"، فهي لم تُعرف باسمها، بل سُمّيت بخلقها وأدبها، لما تحلّت به من حياء ودين وأخلاق رفيعة، بعدما رأت في موسى القوة والأمانة. إن السلوك الحضاري والخلق الكريم من السمات التي يعليها الإسلام، وقد تناول كثيرًا من القضايا التربوية بأسلوب حكيم يضمن بناء الإنسان السوي، والحياء من خصال العقلاء، فكلما زاد نضج الإنسان، زاد حياؤه، بعكس من لا عقل له أو ضعيف الإدراك، كالطفل أو المجنون، الذين رُفع عنهم القلم. لكن المؤسف أن بعض السلوكيات الدخيلة بدأت تتسلل إلى مجتمعاتنا، في المظهر والملبس والعادات، ما يستوجب منا العمل على نشر الوعي، وتربية الذوق، ومواجهة تلك التصرفات غير اللائقة، حفاظًا على أصالة المجتمع وهويته. علينا أن نقدّم القدوات الصالحة لأبنائنا وبناتنا، ونبني نماذج مضيئة تكون مصدر إلهام، بعيدًا عن النماذج السلبية التي تشوّه القيم، فالصديق الصالح كحامل المسك، أثره طيب ومُعطر. كما أن مسؤولية غرس القيم لا تقع على فرد دون آخر، بل هي مشتركة بين البيت والمدرسة والمنبر، ويجب أن نوجّه أبناءنا بحكمة وروية، فديننا دين وسطية واعتدال، لا غلو فيه ولا جفاء، والنصيحة فيه مقرونة باللين وحسن التوجيه. ولا شك أننا مستهدفون في شبابنا وفتياتنا، إذ يسعى الأعداء للنيل من قيمنا وهويتنا، لكن هذا الوطن -بإذن الله- آمن، ما دام فيه الصالحون من العلماء والمربين، وما دامت قيادته الرشيدة تولي أبناء الوطن كل اهتمام وعناية. حفظ الله بلادنا وقيادتنا وشعبنا من كل سوء، وجعل الأخلاق عنواننا والحياء تاجنا والسلوك القويم دربنا.