ريال مدريد يعلن نهاية مشوار مودريتش بعد «مونديال الأندية»    «الداخلية»: غرامة 20000 ريال وترحيل لمخالفي تعليمات الحج من حاملي تأشيرات الزيارة    نائب وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية كوستاريكا    البنك المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس    قدوم (755,344) حاجًّا من خارج المملكة عبر المنافذ الدولية حتى نهاية يوم الأربعاء    3 آلاف متفاعل بملتقى ومعرض التوعية بالأمن السيبراني    الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تستعد لاستقبال موسم الحج ب50 ألف سلة غذائية و50 ألف كيس دقيق فاخر    زامر الحي لا يطرب    مركز الملك سلمان يُشارك في اجتماع للمسؤولين الإنسانيين حول اليمن في بروكسل    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر بغزة إلى 53,762 شهيدًا    في سبق طبي بالشرق الأوسط.. "التخصصي" يزرع أول جهاز ذكي داخل الدماغ لتحسين التحكم بالأمراض العصبية    الجمعة.. قمتان من أجل نهائي "البلاي أوف" في يلو    أمير منطقة جازان يستقبل المهنئين بتعيينه أميرًا للمنطقة    تدشين صالة جديدة للغسيل الكلوي للحجاج بالمدينة    أرامكو تحقق أول إنجاز عالمي بتشغيل نظام تخزين متطور للطاقة المتجددة في أعمال الغاز    مخبأة في شحنة طاولات.. ضبط أكثر من (1.5) مليون قرص من مادة الإمفيتامين بالرياض    الهيئة السعودية للبحر الأحمر وشركة فينكانتييري توقعان مذكرة تفاهم    "مستشفى المانع بالخُبَر" ينجح في استئصال ورم دماغي كبير لمريض عجزت مستشفيات عدة عن علاجه    ريدنجتون تفتتح مكتبها الجديد في الرياض    الذهب يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين وسط مخاوف الديون الأمريكية    السكري تحت المجهر: فهم الحالة والوقاية    علامة HONOR تكشف عن سلسلة HONOR 400 Series بكاميرا 200 ميجابكسل مدعومة بالذكاء الاصطناعي و AI Creative Editor الرائد    المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة يلتقي مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    مركز الملك سلمان للإغاثة يُسيّر الدفعة ال17 من الجسر البري الإغاثي السعودي لمساعدة الشعب السوري    اتصال أم تواصل مؤسسي..؟    أمير الرياض يطلع على الأعمال الميدانية والرقابية ل" الأمانة"    فلسطين تتهم إسرائيليين بإطلاق النار على وفد دبلوماسي    تحرك سعودي فاعل.. وضغط غربي على إسرائيل.. صرخات أطفال غزة توقظ العالم    تحقيق الاستقرار عبر سلطة شرعية موحدة.. توافق لبناني فلسطيني على إنهاء السلاح خارج الدولة    أفراح عشقي وشاولي بعقد قران ماهر    إغلاق مستودع لتكرير "الزيوت المستعملة" في جدة    هيئة النقل تحذر: لا تشوهوا المشهد بالحواجز العشوائية    القيادة تعزي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان في وفاة حمد النعيمي    إقفال طرح الصكوك المحلية    إبداعات" إثراء" تسطع في" داون تاون ديزاين الرياض"    تزامنا مع العام الثقافي الصيني- السعودي الأول .. افتتاح الصالون الإعلامي «الزيارة الودية على خطى تشنغ خه»    تدشين إصدار أحمد فلمبان.. «الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين»    إصدار ضوابط تصنيف الخدمات الحكومية الرقمية الحساسة    في ختام الجولة ال 33 من دوري روشن: الأهلي يواجه الاتفاق.. وضمك يستضيف الفتح    الأندية السعودية تتصدر تصنيف الاتحاد الآسيوي    سجال محتدم بين رياضيين وإعلاميين.. رونالدو.. استمراره مع النصر ضرورة.. أم حان وقت الرحيل؟    ملابس للاستخدام المتكرر بنكهة البرتقال    أمير تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38    حفاظ وحافظات جمعية خيركم يشكرون نائب أمير منقطة مكة وسمو محافظ جدة    أمير المدينة يشيد بدور مركز 911 في دعم الأمن وخدمة ضيوف الرحمن    المكانة لمن يستحقّها    المكافأة على المعروف    نائب أمير مكة يتفقد صالة مبادرة " طريق مكة" بمطار جدة    غوميز: سنلعب أمام ضمك "مباراة الموسم"    الضب لا ينام ولا يرعى صغاره!    "هيئة المتاحف" ومتحف طارق رجب يوقعان مذكرة المستقبل    «النفس والرواية».. المفهوم عبر الزمن    نجاح عملية روبوت في جراحة الصدر بطبية مكة    محمد بن عبدالعزيز يصل إلى جازان بعد تعيينه أميرًا للمنطقة    حطين يتوج بكأس دوري الدرجة الأولى لكرة القدم الشاطئية    أمير تبوك يستقبل مدير عام الجوازات    بحضور محافظ الطائف ..العدواني يحتفل بتخرج نجله    أمام خادم الحرمين الشريفين.. أمراء يؤدون القسم عقب صدور الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب الإلكتروني
نشر في الرياض يوم 22 - 05 - 2025

الشاشات الصغيرة باتت بوابة العالم، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل الإنساني إلى ساحات لحروب أيديولوجية خفيّة. فبين تغريدة هنا، وتعليق محرّض هناك، تنسج خيوط التطرف والإرهاب في صمت، مستهدفة عقول الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر نشاطاً على هذه المنصات. فكيف تسللت الأفكار المتطرفة إلى عقولهم؟ ولماذا بات العالم الافتراضي حاضنة للكراهية؟
في الماضي، كان انتشار الأفكار يقتصر على الكتب أو اللقاءات المباشرة، لكن اليوم، تغيّر الخوارزميات طريقة تفكيرنا. فكل "إعجاب" أو "مشاركة" يعيد تشكيل المحتوى الذي يظهر لنا، مما يخلق فقاعات رقمية تعزز انحيازاتنا. هنا، تنشط حسابات وهمية تدار من قبل شخصيات مجهولة، تغرق الصفحات بتعليقات تكفّر المعارضين، أو تهدد القائمين على مشاريع فنية أو اجتماعية تعتبر "تابعة للغرب" أو "منافية للشريعة". حتى أصبحت التعليقات العنيفة ظاهرة يومية، تمارس الإرهاب الفكري وتصعّد من خطاب الكراهية.
ولا تتوقف الاستراتيجية عند هذا الحد.. ففي تطبيقات مثل "تليجرام" أو "سيجنال"، تنشأ مجموعات سرية تدار بذكاء لتجنيد الشباب. وتبدأ بمناقشة قضايا اجتماعية بسيطة، ثم تتطور إلى تحليلات مؤامراتية، لتصل أخيرا إلى تبرير العنف ك"حل وحيد" لإنقاذ الأمة. وتستخدم لغة عاطفية تلامس هموم الشباب، مثل التركيز على الظلم أو الفساد، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من "مهمة مقدسة".
الشباب في مقتبل العمر هم الأكثر عرضة لهذا الاستغلال، ليس بسبب جهلهم، بل بسبب تناقضات مرحلتهم العمرية. فهم يبحثون عن هوية تشعرهم بالانتماء، خاصة في ظل تغيّر الأدوار الاجتماعية السريع. هنا، تقدّم الجماعات المتطرفة إجابات سهلة مثل: "الإسلام في خطر"، "الجهاد فريضة". وتدعم هذه الرسائل بصور لضحايا الحروب أو الظلم، لاستثارة الغضب وتحويله إلى وقود للتطرف.
ولا تغفل هذه الجماعات الجانب العاطفي. ففي دراسة أجرتها جامعة "جورج واشنطن" تبيّن أن 70 % من المتطرفين جنّدوا عبر علاقات افتراضية بدأت بالتعاطف مع قضاياهم، ثم تحوّلت إلى ولاء أعمى. كما أن غياب الحوار الأسري أو الديني المعتدل يجعل الشباب فريسة سهلة لأصحاب الأجندات الخفية.
التأثير لا يتوقف عند المستوى الفكري؛ فعلى سبيل المثال، هاجمت حملات إلكترونية حفلات موسيقية بدعوى "محاربة الفن"، وتعرّض نشطاء مجتمعيون لتهديدات. هذه الضغوط لا ترهب الضحايا فحسب، بل ترسخ فكرة أن "الاختلاف جريمة"، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويعزز الانقسامات.
أما على المستوى الفردي، فيصاب المتطرف بانفصام بين هويته الحقيقية والافتراضية. ففي دراسة ل"مركز الأهرام للدراسات السياسية"، اعترف شباب متطرفون سابقون أنهم كانوا يعيشون "حياة مزدوجة": يبدون طبيعيين أمام أسرهم، بينما يخططون لهجمات عبر هواتفهم. هذا الانفصام يضعف قدرتهم على التمييز بين الخيال والواقع، حتى يصبح العنف خياراً مقبولاً.
الحل يبدأ بالاعتراف أن التطرف ليس "مشكلة أمنية" فحسب، بل ظاهرة ثقافية تحتاج إلى مقاربة شاملة. أولاً يجب تجديد الخطاب الديني عبر تدريب الأئمة على مواجهة التحريفات الفقهية، وتشجيع النقاشات العقلانية. وعلى الحكومات التعاون مع منصات التواصل لتطوير خوارزميات تقلل من انتشار المحتوى المتطرف، مع حماية خصوصية المستخدمين. ولا بد من تعزيز البرامج التربوية التي تعرّف الطلاب بمهارات التفكير النقدي، وتحميهم من التلاعب العاطفي. ويجب إحياء الحوار المجتمعي عبر فعاليات تظهر أن "الاختلاف ثراء"، مثل مهرجانات تجمع بين الفنون والتراث الديني المعتدل.
تعد الأسرة الحصن الأول في حماية الشباب من الانزلاق نحو التطرف. حيث توفّر الأسرة حواراً مفتوحاً يناقش قضايا الدين والهوية بعقلانية، وتعزز قيم التسامح عبر المثال العملي، تصبح الفكرة المتطرفة أقل جاذبية. كما أن مراقبة سلوك الأبناء على منصات التواصل، دون تدخل قمعي، تساعد في اكتشاف الانحرافات المبكرة. لكن الأهم من الرقابة هو بناء الثقة، أن يشعر الابن أو البنت أن الأسرة ملجأ آمن لطرح الأسئلة المحرجة، بعيداً عن وصمة "التكفير" أو التنمر.
أما الإعلام فيمكن أن يكون أداة فاعلة عبر إبراز قصص الناجين من التطرف، ودعم مبادرات الحوار، وتعزيز المحتوى الذي يربط بين القيم الإسلامية والتعايش السلمي. كما أن إنتاج برامج تعرّف الشباب بكيفية تحليل المحتوى الرقمي نقدا يقلل من تأثير الدعايات المغلوطة عبر التنشئة الواعية، وعبر الخطاب المسؤول. فكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: "التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتلاقى جهود الفرد مع جهود المجتمع"، وهذا ما يلخص ضرورة التعاون بين كل الفاعلين لبناء مناعة مجتمعية ضد التطرف.
تذكرنا مقولة عالم الاجتماع الأميركي سكوت أتران أن: "التطرف ليس فكرة تقاتلها بالأسلحة، بل حالة عقل تعالج بالبديل الأفضل".. فالشباب الذين يجنّدون اليوم هم ضحايا فراغ فكري وعاطفي، يحتاجون إلى من يعيد لهم الأمل، لا إلى من يصادر أحلامهم.. إن مواجهة التطرف ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي معركة كل فرد يؤمن أن الإنسانية أقوى من كل خطاب يحاول تمزيقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.