لم يعد "موسم ملح القصب" مجرّد فعالية سياحية عابرة تقام في هذه المدينة التاريخية، بل أصبح رمزاً متجدداً يعكس هوية القصب العريقة، وحدثاً سنوياً يختزل في تفاصيله عمق الفكرة وروعة التنفيذ، ويجسد روح المكان وأصالة الحرفة. جاءت انطلاقة الموسم بدعم وتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس المنطقة، الذي أكد أهمية أن تتميز كل محافظة بخصوصية تنبع من تراثها ومقوماتها المحلية. وهكذا انطلقت القصب نحو ترسيخ مكانتها كموطن لصناعة الملح، وهو إرث اقتصادي واجتماعي لطالما ميّزها عن غيرها. تحوّلت الفكرة إلى موسم يحتفي ب"الثروة البيضاء" التي اشتهرت بها القصب، ويعيد في كل عام تسليط الضوء على تاريخ المدينة وعراقة صناعة الملح فيها. ومن خلال هذا الحدث، تندمج السياحة بالتراث، ويُسهم الموسم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، خاصة في دعم السياحة الداخلية وتنمية الاقتصاد المحلي. اليوم، يُعد "موسم ملح القصب" محطة سنوية تستقطب الزوّار من داخل المملكة وخارجها، ليكتشفوا عالم الملح وتفاصيل استخراجه وإنتاجه وتاريخه العريق. لكن أهمية المهرجان لا تقف عند ذلك؛ فهو يوفّر فرصًا نوعية للقطاع الخاص، ويدعم الأسر المنتجة عبر تخصيص مساحات لعرض منتجاتهم، كما يسهم في تمكين المجتمع المحلي، ويقدّم خيارات ترفيهية وثقافية متنوعة. وتقف خلف هذا النجاح لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالقصب، بالشراكة مع بلدية القصب، بقيادة الدكتور عثمان المنيع، والمهندس طارق القصبي، وبدعم من نخبة من أبناء الوطن الأوفياء، مثل الأستاذ سعد القاسم، والمهندس مطلق أبو اثنين، والأستاذ فواز السويد، ومحمد السويد الذي يضفي بهجته الخاصة على أنشطة الأطفال. كما لا يمكن إغفال الجهد الكبير الذي يقدمه المتطوعون من شباب وشابات القصب، الذين يعملون بإخلاص ليظهر الموسم بهذه الصورة المشرّفة. ولمن يزور القصب، فهناك الكثير مما يستحق المشاهدة والتجربة، مثل دار الشيخ عبدالله بن زاحم التاريخية، التي أعاد تأهيلها أبناؤه لتكون محطة تراثية للزوار وديوانية المنيع التي تجمع بين الطابع التراثي والضيافة الأصيلة ومملحة أبي سهيل (المقحم)، التي تحوّلت إلى موقع استجمام فريد يضم بركة للسباحة بالمياه المالحة ومساحات للمشي على طبقات الملح. ومسجد القصب الملحي بخلوته المميزة. ونادي القصب للفن التشكيلي، والمتحف السريالي بإدارة الفنان عبدالرحمن الزاحم، والذي يجتذب عشاق الفنون من كل مكان. إن مدينة القصب، التابعة لمحافظة شقراء، تبرز اليوم كوجهة سياحية واعدة، تجمع بين التراث والطبيعة، بين الإبداع والموروث، وتُعد نموذجاً يُحتذى به في استثمار المقومات المحلية لبناء مستقبل سياحي.