في كل شارع وحيّ، وفي كل مجتمع نابض بالحياة، تقف صيدليات المجتمع شاهدة على الأثر العميق الذي يصنعه الصيادلة، وناطقة بدور لا يُستبدل ولا يُهمّش، فالصيدلاني ليس فقط صارف دواء، بل جسر المعلومة الصحيحة، وسياج الطمأنينة والوعي. صيدليات المجتمع ليست مجرد أماكن لصرف الدواء؛ بل المنصة الأولى والأقرب للتثقيف الصحي، وبداية رحلة الشفاء، ذلك أن نحو 70 % من الأشخاص يزورون صيدليات المجتمع مرة واحدة على الأقل شهرياً! هذه الزيارات ليست عبوراً خاطفاً، بل فرص ذهبية للتأثير. عملت سنوات في تسويق الأدوية في صيدليات المجتمع في مناطق المملكة، وشهدت قصص نجاح وتأثير تستحق أن تروى، منها ذلكم الصيدلي المخضرم في الدمام، الذي وبالتعاون بين أكثر من صيدلية في نفس الحي نفّذ مبادرة لتثقيف مجتمعه المحيط حول الاستخدام الآمن للمسكنات، ووصلت حملته إلى نحو أربعة آلاف شخص، أدى إلى انخفاض معدل الاستخدام الخاطئ للمسكنات خلال أشهر. إلى مبادرة "صيدلي لكل عائلة" في الأردن، التي مكنّت صيادلة المجتمع من متابعة دقيقة للأدوية وتثقيف العائلة، وساهمت في تقليل أخطاء الاستخدام، أما في الإسكندرية فقد نظّم صيدلاني شاب حملات توعوية ميدانية حول السكري وضغط الدم، وكانت النتيجة تراجعاً ملموساً في مضاعفات المرضى الذين تعرضوا للحملة. إلى برنامج " الصيدلية أولاً" في المملكة المتحدة، الذي أتاح للصيادلة تقديم الاستشارات مباشرة، مما أدى إلى تقليل الضغط على العيادات بنسبة 30 %. أما في كندا، فقد مكّن الصيادلة من إعطاء اللقاحات، فارتفعت نسبة التطعيم في المناطق الريفية بنسبة 70 %! لكن دعوني أخبركم بالقصة الأروع: هناك في حي شعبي بمدينة توسان بولاية أريزونا الأميركية، حيث تعاني بعض العائلات من صعوبات مادية ونقص في الوصول إلى الخدمات الصحية، برزت صيدلية "إلريو" المجتمعية كمنارة أمل، التي لم تكتفِ بصرف الأدوية، بل اتخذت من الرعاية المجتمعية رسالة مسؤولية. حيث أطلق فريق الصيدلية برنامجاً طموحاً: "الصيدلي في الحي" يقوم على مبدأ بسيط لكن عميق: إذا لم يستطع المريض الوصول للصيدلية، فالخدمة تصل إليه! ماذا فعلوا؟ بدؤوا بزيارات منزلية لكبار السن وذوي الأمراض المزمنة، وفّروا استشارات مجانية عبر الهاتف ومكالمات الفيديو، دشنواً تطبيقاً إلكترونياً يرسل تذكيرات يومية للمرضى لتناول أدويتهم، تعاونوا مع المدارس لتعزيز التوعية الدوائية بين الطلاب والأهالي. النتائج مذهلة: ارتفعت نسبة التزام المرضى بأدوية السكر والضغط إلى أكثر من 90 % خلال عام واحد، قلّت زيارات الطوارئ من قبل مرضى الأمراض المزمنة بنسبة 30 %، تلقى البرنامج إشادة الجهات الصحية في الولاية، ثم نُسخ في عدة مدن لاحقاً. والحقيقة أن النجاح لم يكن في استخدام التقنيات فقط، بل في النية الصادقة لخدمة الناس، والرؤية الاستباقية للصيدلي كمحور رعاية صحية متكاملة، كل هذه الأمثلة تُبرهن على أن صيدليات المجتمع ليست رافداً مكملاً للنظام الصحي؛ بل هي في مقدمة الصفوف، ومفتاح التغيير والتأثير في الثقافة الصحية. أيها الصيدلي لا تكتفِ بصرف الدواء، بل قدم المعلومة وافتح نافذة الحوار، حتى تغرس الوعي، ولا تجعل الصيدلية مكان عبور، بل اجعلها محطة وعي.