توفي الأسبوع الماضي فلكي الصحراء ملفي العريمة (أبو شرعان) غفر الله له عن عمر ناهز التسعين عاما بعد معاناة مع المرض، وتصدر خبر وفاته مواقع التواصل الاجتماعي والكثير من وسائل الإعلام التي أعادت تسليط الضوء على شخصيته وعلى سيرته المليئة بالأحداث والمعلومات وبالتركيز على جانبين أولهما معرفته بالنجوم وحساب الفصول وبالمواقع واسرار الصحراء وتجربته مع العزلة والترحال ثانيهما قصة العشق لمحبوبته تلك البدوية التي هام بها عشقا وعاهدها بأن لا يتزوج غيرها وربما اخذ منها عهدا بذلك. والتي رفض كشف اسمها ولا حتى الحرف الأول منه وظل طوال حياته محتفظا بهذا السر وملتزما بالعهد الذي قطعه على نفسه حتى قبض الله روحه دون أن يتزوج. وهذه القصة لي بعض التحفظ عليها. أعرف ملفي معرفة شخصية منذ أكثر من أربعين عاما وكنت كثيرا ما التقيه عند خالي عبدالله الغدير آل علي رحمه الله في مزرعته في الاسياح قبل رحيله للأجفر وكان يجاوره هو وشقيق له اعتقد اسمه بقية أكثر السنوات طوال أشهر الصيف ونشأت بينهم الفة وصداقة حتى كدت لا أزوره او احضر عنده مناسبة الا وهما ضمن الحضور. كان ملفي رحمه الله شخصية لطيفة وظريفة وعلى سليقته التي جبل عليها دون تصنع او تكلف وانسان نقي ونظيف في جوهرة وفي أي مجلس يحضره كان الحديث يدور غالبا حول المواسم ودخول النجم الفلاني ولا يكاد يصف نجما او دخول نوءا الا ويستحضر ابياتا يستشهد بها من قصيدة راشد الخلاوي الشهيرة في حساب الفلك والتي تعد مرجعا له وللكثير من المهتمين بالحساب من سكان الصحراء والفلاحين وللمعلومية فحساب راشد الخلاوي الذي وثقه بتلك القصيدة قد لا يتطابق مع حساب كثيرا من علماء الفلك المعاصرين لدينا الذين درسوا علم الفلك والحسابات واكثر ما استفادوا من أبو شرعان معرفة النجوم وتحديد مواقعها على خارطة الفضاء. أبو شرعان عاش مرحلة تاريخية مهمة ووثق بعض احداثها وهو على سبيل المثال يذكر لنا تسلسل اربع سنوات شكلت احداثا مختلفة بقيت في ذاكرة جيله بدأت بسنة (الظمية) عام 1370ه توقفت قبلها الامطار وجفت الأرض ونضبت الابار ومات الناس والمواشي عطشا عند ما تحول همهم البحث عن الماء ثم سنة (الظلمه) وهي كسوف الشمس سنة 1371 ه تلتها سنة (الرَدّه) عام 1372 ه هطلت الامطار وعادت المياه والحياة وعم الربيع وأخيرا تلك السنة المؤلمة التي فقدوا فيها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عام 1373ه. يتذكر أيضا رحلاته مع قوافل عقيل مع بعض تجار القصيم الى الشام في شبابه ومشاركته أيضا لحدرات الاحساءوالعراق السنوية على ظهور الابل لجلب الطعام التمر من الاحساء والتمن والتمر من العراق والتي استمرت حتى انتقل بعض التجار واسسوا ما يشبه ميناء جاف في بلدة لينة في الشمال تجلب اليها الارزاق من العراق وبعض موانئ الخليج ويتوافد اليها المتبضعون من كل منطقة. كما لديه قصص مع الجوع والظمأ والتيه ومواجهة سباع الصحراء احدها وكان صغيرا عند ما نام في العراء ليلا تحت جذع شجرة فهاجمه احد الذئاب ولأن الذئب بطبعه لا يفترس النائم قام بدفنه بالرمال محاولا إيقاظه أولا وتكبيله بالرمال ثانيا ليسهل بعد ذلك افتراسه ولكن الله نجاه. قصة أخرى أوائل التسعينات الهجرية بعد ما كبر نام فيها فوق إحدى التلال الرملية الى جوار سيارته وعند قيامه من النوم وجد ثعلبا ماكرا قد قام بسرقة حذائه ومحفظته ومفاتيح سيارته ودفنها في أماكن متفرقة أمضى بعدها يوما كاملا يبحث عن اشيائه حتى عثر عليها. وفي يوم آخر عاد لينتقم من الثعلب فتتبع أثره حتى وجده وأطلق عليه النار من بندقيته التي جبت رجله الخلفية لكنه استطاع الهرب والاختفاء وعاش بعدها أكثر من سنتين يعرفه سكان الصحراء بأثرة يمشي على ثلاثا. وصاروا يطلقون عليه (حصني ملفي) كل ما وجدوا أثره. نعود أخيرا لقصة عشقه للمرأة التي أحبها وحرم منها ولأنه عاهدها آثر الزواج حتى نهاية العمر هذه الرواية التي لم يذكرها الذين لازموه سنوات طويلة عن قرب وكل ما يعرفونه ان أبو شرعان ليس له رغبة في الزواج مع قدرته المادية التي يجهلها كثيرون. لكن لماذا اختلقها أبا شرعان ونلاحظ هنا انه قال مرات كثيرة عند ما سئل عن سالفة العشق قال ما كنا نعرف شيء اسمه عشق كنا (مبتلشين بعيشتنا) ومرة أخرى نقل عنه بأنه تزوج وأنجب وماتت زوجته وابنائه بحادث سيارة وبعدها كره الزواج وهي الرواية التي لا أساس لها من الصحة. إذن لماذا قال أبو شرعان هذه الروايات المختلفة. يقول بعض المقربين منه بأن أبو شرعان كان يكره ان يسئل مثل هذه الأسئلة الغارقة في الخصوصيات مثل سبب امتناعه عن الزواج وتسبب له حرج شديد ومضايقه وأقرب الأسباب انه كان يختلق مثل هذه الإجابات أمام كمرات الأجهزة التي لم يعتادها خروجا من حالة الحرج ومن اجل انهاء السؤال. وفي الآخر عند ما تدبس بهذه الإجابة وصارت ترندات تتداولها مواقع السوشال ميديا وتشيد بالموقف استسلم أبا شرعان وركب معهم الموجه. وفي الختام يبقي حقيقة حالة الاستغلال لشخصية أبو شرعان كونه مختلفا في لبسه ودثرته وشكله وأسلوب عيشه وهيئته كبدوي يعيش عزلة الصحراء فباستثناء قلة من هؤلاء مثل الدكتور خالد الزعاق الذي تبنى عمارة مسجدا له وقطع شوطا كبيرا كما قال في هذا المشروع وبعض لقاءات هادفه الا ان الكثير للأسف قد استغل حالة أبو شرعان لصناعة محتوى والبحث عن اثارة وزيادة متابعين معتمدا على أسلوب التهويل والمبالغات السامجه. ملفي العريمة أبو شرعان يظهر بدثرته وشكله كبدوي يعيش عزلة الصحراء أبو شرعان مستمتع مع غنمه خالد الزعاق سعود المطيري