يمثل تنوع الاقتصاد إحدى الركائز الأساسية في تحقيق الاستقرار والنمو المستدام لأي دولة، وفي الحالة السعودية أصبح هذا الجانب من أبرز الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إليها رؤية المملكة 2030. فقد أدركت القيادة الرشيدة أن الاعتماد على مصدر واحد للدخل، وهو النفط، يحمل في طياته مخاطر اقتصادية جسيمة قد تتأثر بعوامل خارجية لا تملك الدولة السيطرة عليها، كالتقلبات الحادة في أسعار النفط والأسواق العالمية، مما يستوجب تبني سياسات اقتصادية متعددة المصادر قادرة على حماية الاقتصاد الوطني من الصدمات. لقد بدأ الاقتصاد السعودي فعلياً في التحول نحو التنوع منذ عدة سنوات، وبرزت نتائج هذا التوجه في عدة قطاعات حيوية مثل: السياحة، والترفيه، والصناعة، والتعدين، والخدمات اللوجستية، والتقنية، والطاقة المتجددة، ويُعد هذا التحول النوعي بمثابة ترجمة واقعية لرؤية المملكة الطموحة، التي وضعت تنمية القطاعات غير النفطية في مقدمة أولوياتها، وجعلت من الاقتصاد السعودي نموذجاً قابلاً للنمو الذاتي بعيداً عن تقلبات السوق النفطية. ويكمن جوهر هذا التنوع في توزيع مصادر الدخل القومي، وفتح آفاق جديدة للاستثمار، وزيادة مساهمة القطاع الخاص، مما يخلق فرص عمل متنوعة، ويقلل من نسب البطالة، ويزيد من تنافسية المملكة على المستوى الإقليمي والعالمي، إن أبرز ملامح التنوع الاقتصادي في السعودية تجسدت في النمو اللافت لقطاع السياحة، حيث تم تطوير البنية التحتية السياحية، وإطلاق مشاريع ضخمة مثل: نيوم والبحر الأحمر والعلا، مما ساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل دور السياحة كمصدر دخل رئيس. كما أن القطاع الصناعي شهد تطوراً ملحوظاً، خصوصاً مع توجه المملكة نحو الصناعات التحويلية، والصناعات العسكرية، مما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل الاعتماد على الواردات. أما في قطاع الطاقة المتجددة، فقد بدأت السعودية الاستثمار بكثافة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو توجه استراتيجي يهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وبالتالي تخفيف العبء على الميزانية العامة. ومن الجوانب المهمة في تنويع الاقتصاد السعودي هو تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل، إذ أصبح هذا التوجه أحد محركات النمو الاقتصادي، حيث ساهم في توسيع قاعدة الإنتاج ورفع مستوى الدخل الأسري، مما ينعكس إيجاباً على القوة الشرائية ونمو الطلب المحلي، كما أن تعزيز دور ريادة الأعمال، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ساعد على تحريك عجلة الاقتصاد وتوليد فرص اقتصادية جديدة، وجعل الاقتصاد أكثر مرونة واستجابة للتحديات. ولا يمكن إغفال دور التحول الرقمي في تعزيز التنوع الاقتصادي، إذ تمثل التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي أحد أهم الموارد المستقبلية التي تبني عليها المملكة اقتصادها المعرفي، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية لتعزيز الاقتصاد الرقمي، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وإنشاء المدن الذكية، مما يدعم الابتكار ويوفر بيئة جاذبة للاستثمارات التقنية. وفي ظل هذه الجهود المتكاملة، يمكن القول إن تنوع الاقتصاد السعودي لم يعد خياراً بل ضرورة استراتيجية ضمنت للمملكة ثباتاً اقتصادياً في وجه الأزمات العالمية، وآخرها جائحة كورونا التي أظهرت هشاشة الاقتصادات الأحادية، بينما استطاعت السعودية تجاوز تداعياتها بمرونة لافتة بفضل تعدد مصادر دخلها. ويُتوقع أن يواصل الاقتصاد السعودي نموه بثبات في السنوات القادمة، مدعوماً بخطط تنموية مدروسة، ومشاريع وطنية ضخمة، وإصلاحات هيكلية تعزز من جاذبيته واستدامته. إن تحقيق التنوع الاقتصادي في المملكة لا يعني فقط تأمين الاستقرار المالي، بل يساهم كذلك في بناء مستقبل اقتصادي متين، قادر على مواجهة التحديات، وتحقيق رفاه المواطن، وضمان التنمية المستدامة لأجيال قادمة، وهو ما يجعل من التجربة السعودية في هذا المجال نموذجاً يحتذى به في العالم العربي والإسلامي. *رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية رئيس مجلس الأعمال السعودي - التونسي د. عمر بن سليمان العجاجي