يشهد تخصص الاتصال في الجامعات السعودية خلال هذا العقد نقلة نوعية تعكس التحول العام الذي تشهده المملكة على المستويات الثقافية والإعلامية والاقتصادية، إذ كان هذا التخصص محصورًا في عدد محدود من الجامعات، وتحت مسميات تقليدية مثل الإعلام أو الاتصال الجماهيري. في السابق، كان يُنظر إلى الاتصال كمجرد أداة لنقل الرسائل الإعلامية، أما اليوم فقد أصبح علمًا تطبيقيًا واستراتيجيًا يرتبط بشكل مباشر بإدارة الصورة الذهنية، والتأثير في الرأي العام، وبناء العلاقات المؤسسية والجماهيرية، سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص أو حتى غير الربحي، مما ساهم في إعادة صياغة البرامج الأكاديمية في الجامعات السعودية. يُعد الاتصال مجالًا ناشئًا للدراسة، وقد شاع استخدامه في تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، إذ يندمج فيه كل من التسويق وإدارة الأعمال والعلاقات العامة والصحافة وعلم الاتصال وعلم النفس وعلم الاجتماع. ومع التطور التقني وتزايد أهمية استثمار مجال التواصل في دعم الخطط الاستراتيجية للمنظمات، سعت علوم الإعلام والاتصال والإعلان إلى توظيف المفاهيم الاستراتيجية في هذا المجال، بما يؤدي إلى ربط الاتصال بالخطة الاستراتيجية للمنظمة، في إطار من التكامل بين علوم الاستراتيجية وعلوم الاتصال الجماهيري، ليتواكب مع ازدياد اهتمام المنظمات بالاتصال الداخلي والخارجي مع جمهورها في الوقت والوسيلة والرسالة المناسبة. الجامعات السعودية تواكبت مع ذلك وتوسعت في مجال الاتصال، حيث برزت فيها تخصصات أكثر دقة وعمقًا، مثل بكالوريوس الاتصال الاستراتيجي، وهو ما نشهده اليوم في جامعات مثل جامعة الملك فيصل وجامعة الملك خالد، وأبعد من ذلك نجد تخصصات نوعية في الدراسات العليا مثل اتصال الازمات، كما أصبحت كثير من الجامعات السعودية لديها كليات مستقلة للاتصال والاعلام، تضم عدة أقسام وتخصصات في العلاقات العامة والاتصال التسويقي والصحافة والاعلام الرقمي وغيرها من التخصصات ذات الصلة التي تلبي سوق العمل وتتوافق مع التطورات العلمية والتقنية العالمية. يتقاطع نهوض تخصص الاتصال مع رؤية السعودية 2030، التي تولي أهمية كبيرة لقطاعات الإعلام والثقافة والهوية الوطنية، حيث يُنظر إليه كأداة لتمكين نجاح المشاريع الكبرى -بعد مشيئة الله- سواء من خلال تحسين التواصل الحكومي، أو تعزيز صورة المملكة عالميًا، أو تمكين القطاع الخاص في بناء تواصله مع المجتمع. على الرغم من هذا التقدم، لا يزال تخصص الاتصال في الجامعات السعودية يواجه تحديات تتعلق بمواءمة مخرجاته مع متطلبات سوق العمل، وتعزيز التدريب العملي، والانفتاح على التجارب العالمية، إلى جانب الحاجة إلى رفع مستوى الوعي لدى الجهات والقطاعات المختصة بالتوظيف حول تفرد هذا التخصص ومجالات عمله في فروع التسويق والعلاقات العامة والإعلام. ومع ذلك، فإن المؤشرات تدل على أن هذا التخصص يسير في مسار تصاعدي، خصوصًا مع اهتمام الجامعات بتطوير برامج الماجستير والدكتوراه، وسعيها إلى إنشاء كراسي بحثية في مجالات الاتصال والعلاقات العامة والإعلان والإعلام الرقمي. إن نهوض تخصص الاتصال في الجامعات السعودية، وظهور تخصصات نوعية على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، يعكس وعيًا أكاديميًا واستراتيجيًا يتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة، الذي من شأنه أن يسهم في صناعة إعلام وطني واعٍ، قادر على دعم التنمية، وتعزيز صورة المملكة عالميًا.