منذ الانفصال عن الهند في العام 1947، خاضت الدولة الوليدة -باكستان- ثلاثة حروب كبرى مع جارتها في صراعهما على ولايتي جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة المتنازع عليها، وحربًا رابعة عند انفصال باكستانالشرقية -بنغلادش حاليًا- في العام 1971. وطوال أكثر من سبعة عقود، جرت وساطات ومحاولات من مجلس الأمن والدول العظمى لحل هذا النزاع لكن هذه المحاولات فشلت لأنها عالجت الجانب السياسي وتجاهلت الجانب القانوني. لذلك كان هذا الصراع يتأجل ثم ما يلبث أن ينفجر مرة أخرى. وقد شهدت هذه السنوات أيضًا صدامات ومناوشات واشتباكات حدودية كثيرة، لكنها لم تتطور إلى حروب شاملة.. في تلك الحروب، كانت مواقف الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة واضحة، ففي حرب العام 1965 لعب الاتحاد السوفيتي دورًا رئيسًا في التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين المتحاربين، لكنه قدّم دعمًا دبلوماسيًا وعسكريًا للهند، وردًا على حشد أميركا وبريطانيا لحاملتي طائرات، أرسل الاتحاد السوفيتي غواصات نووية وسفنًا حربية إلى بحر العرب والمحيط الهندي. بالمقابل، لم تقدّم الولاياتالمتحدة دعمًا عسكريًا لباكستان في حرب العام 1965، لكنها قدّمت لها دعمًا في حرب العام 1971، ثم غيرت موقفها في الصدامات اللاحقة وضغطت على باكستان لوقف الأعمال الحربية، أما الصين، التي هزمت الهند في حرب عام 1962، فاكتفت بتقديم دعم دبلوماسي لباكستان. الوضع في شبه القارة الهندية وفي الدول المجاورة، والغزو السوفيتي ولاحقًا الأميركي لأفغانستان، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، وطغيان القطب الواحد، جعل البلدين أكثر حذرًا في إدارة الصراع وخاصة عندما يقوم المقاومون الكشميريون بعمليات عسكرية داخل الهند التي تلقي باللائمة على باكستان التي تنفي ضلوعها في مثل هذه العمليات، خاصة وأنها تمر بوضع اقتصادي صعب، ووضع سياسي غير مستقر، كما تعاني من مشكلات مع أفغانستان وتواجه تمردًا في إقليم بلوشستان. وما جعل البلدين يحاولان الحفاظ على علاقة حسن الجوار، مع استمرار الخلاف على كشمير، هو الخوف من أن أي نزاع مسلح قد لا يظل محصورًا في الأسلحة التقليدية وقد يغامر أحدهما باستخدام السلاح النووي فيرد الآخر مما قد يؤدي إلى "شتاء ذري" يموت فيه أكثر من بليوني إنسان بحسب تقديرات المحللين العسكريين. عندما تفجر التوتر الحالي، بعدما قتل مسلحون 26 سائحًا في ولاية كشمير الأسبوع الماضي، أصبح منسوب التوتر مرتفعًا، وقال وزير الدفاع الباكستاني إن التوغل العسكري الهندي وشيك و"سنرد عليه بشكل غير متناسب"، وأضاف أن إلغاء اتفاقية تقاسم مياه نهر السند يعتبر عملاً حربيًا. ونظرًا للتباين بين البلدين في المساحة الجغرافية والتعداد السكاني والقوة الاقتصادية والعسكرية، فمن الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور خاصة إذا ما غلّبت بعض الأطراف المتطرفة في البلدين الحماسة الدينية والعقدية على العقل والحوار. ولأن هذا الوضع يبدو مقلقًا للمملكة التي تحتفظ بعلاقة صداقة مع البلدين، وقد كان رئيس الوزراء الهندي في ضيافة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان عندما وقع الهجوم في كشمير، ولأن المملكة يعمل بها ملايين من مواطني الهندوباكستان، وترتبط معهما بعلاقات تجارية واستثمارية مهمة، فقد كانت أول المبادرين للتهدئة بين الهندوباكستان، ولهذا هاتف وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان نظيريه الهنديوالباكستاني وحثهما على عدم تصعيد التوتر حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة" ما سيكون له انعكاسات خطيرة على شعبي البلدين والمنطقة برمتها وهذا ما نأمل ألا يحدث.