التعليم هو سلاح هذا العصر وكل العصور، هو المنتج للقادة والعلماء والمفكرين، هو المكافح للفقر، والمعالج لأمراض المجتمع.. لنركز على الجودة والإتقان، ونشر الوسطية، وحسن التعامل مع الآخر.. وكل مالٍ يصرف على التعليم وتطويره يعود أضعافًا مضاعفة على قوة البلد بكل مكوناته.. صادف يوم دراسي في سوريا وعد بلفور، فخرج الطلبة من فصولهم الدراسية لينضموا للمظاهرات المنددة بالوعد المشؤوم، لكن مدرس الفيزياء المعلم محمد حتاحت -رحمه الله- حاول إيقافهم، وقال عبارته المشهورة: "حاربوهم بالرياضيات والفيزياء، وليس بالشعارات". لكن لا أحد فكر بجد بما قال، وناله الكثير من السباب والتخوين، ومن المتاجرين بالقضية بشكل خاص. أكثر الشباب العربي اختطفت عقولهم بعد احتلال فلسطين، وعاشوا تحت تأثير القومية والحزبية والأيديولوجيا بأنواعها. في الوقت الذي كان فيه الكيان الصهيوني يبني أفضل مراكز الأبحاث العلمية، ويستقطب العلماء من أوروبا وأميركا، ويمنحهم الجنسية والميزات، ويقيم أفضل العلاقات مع مراكز الأبحاث الغربية في مختلف المجالات، ومع كل القوى الفاعلة على مستوى العالم. في ذات الوقت ابتلي العالم العربي بالانقلابات العسكرية والتنظيمات الحزبية والدينية التي قضت على كل ما تبقى من مظاهر النهضة العربية التي بدأت في القرن التاسع عشر في مصر ولبنان. اليوم وبعد سبعين عاماً من الهزائم وإفلاس الشعارات القومية والأحزاب المتأسلمة بدأت تشع أنوار صبح جديد يشرق من الجزيرة العربية، ومن قلبها النابض الرياض. كل الدلائل تشير إلى بزوغ نهضة شاملة تهيأت أسبابها، والتي من أهمها القيادة القوية المخلصة والحكيمة، والاقتصاد القوي متعدد المصادر، والعلاقات المتوازنة مع كل القوى الفاعلة في العالم، والاهتمام بالتعليم والثقافة بأنواعها، والولاء والروح المعنوية العالية للشعب، ولا أدل على قيام النهضة الشاملة، والقادمة بقوة سوى نجاح الرؤية 2030. اليوم تحقق الكثير من المستهدفات قبل موعد استحقاقها بسنوات، ولأن النجاح يقود إلى نجاح أكبر، ولأنه لا حدود للطموح، لذا فالسعودية على موعد مع رؤية جديدة تحدد مسار التنمية في المملكة والعالم العربي للعشرين سنة القادمة بإذن الله. اليوم وبعد الليل الطويل، وما منيت به القضية الفلسطينية من هزائم، اتضحت أهمية نصيحة المعلم حتاحت وصدق قوله، ووطنيته. فأهم أسباب النهضة، وامتلاك القوة ما يأتي: أولًا: التعليم الجيد، والشامل لكل فئات المجتمع هو المحرك والباعث على التقدم والنجاح. وهو الذي أوصل الدول المتقدمة إلى ما وصلت إليه. وكل عناصر القوة المؤثرة في مسيرة التقدم تزداد، وفي تنساب طردي مع الاهتمام بالتعليم. الولاياتالمتحدة الأميركية ليست الأكبر مساحة، ولا الأكثر سكاناً، ولا الأغنى في المصادر الطبيعية، لكنها الأقوى على مستوى العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. ويعود السبب إلى اهتمامها البالغ بالتعليم في كل مراحله. والصرف بسخاء على البحث والتطوير والابتكار. وقد استقطبت خلال التسعين عاماً الماضية أفضل العقول على مستوى العالم. وكانت البداية من العلماء الألمان الذين هاجروا قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها. وبسببهم تقدمت الجامعات، وأصبحت الأفضل عالمياً، واحتلت المراكز الأولى في التصنيف من بين جامعات العالم. وأصبحت الشركات الأميركية تتحكم في مجريات الأمور على مستوى العالم، وبقيم سوقية تفوق ميزانيات أكثر الدول. ثانيًا: القيادة هي العامل الحاسم في تقدم الامم أو تخلفها.. وحسب توجه القيادة واهتمامها تتركز الجهود وتظهر النتائج، وكلما كان التركيز على بناء القدرات البشرية، وتبني الحلول العلمية المدروسة، كانت النتائج أفضل.. واليوم توفّر للمملكة قيادة جمعت بين الخبرة والكفاءة. وحين يصح العزم تتذلل الصعاب. قيادة المملكة برؤيتها وحزمها في مكافحة الفساد، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حققت خلال ثماني سنوات ما عجزت عن تحقيقه الخطط الخمسية العشر الماضية. ثالثًا: الدين من أهم عناصر مكونات ثقافة الشعوب. وكلما كان الدين محفزاً للبذل والعطاء والإتقان وترسيخ قيم الحب والتسامح، كانت النتائج أفضل. والإسلام غني بالكثير من القيم التي تحث على إتقان العمل والأمانة والصدق واحترام الوقت، وغيرها من القيم والأخلاق التي ستكون خير معين للمسلم في أداء عمله، والخروج من الفقر على مستوى العالم. كما أن الوسطية في الدين وحسن المعاملة للآخر المختلف تفوت الفرصة على التطرف والإرهاب الذي يتخذ من الفتاوي المتطرفة، والمظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وسيلة لتأجيج العواطف بين الشباب المسلم، وتجنيدهم في صفوف المتطرفين من مختلف المذاهب. علينا أن نعزز مناهجنا بالقيم والمعاملات، ونجعلها في مقدمة العبادات، لنركز على الجودة والإتقان، ونشر الوسطية، وحسن التعامل مع الآخر لننطلق نحو النهضة العربية الشاملة دون عوائق، وليكون الدين خير عون ومساند. التعليم هو سلاح هذا العصر وكل العصور.. هو المنتج للقادة والعلماء والمفكرين.. هو المكافح للفقر، والمعالج لأمراض المجتمع.. وكل مال يصرف على التعليم وتطويره يعود أضعافًا مضاعفة على قوة البلد بكل مكوناتها.