سأحكي لكم قبل أن أبدأ الكلام عن الرواية العظيمة الأمير الصغير، الظروف التي أكتب فيها المقال. أكتبه وأنا على متن باخرة في رحلة كروز ستبدأ بعد ساعات قليلة. وكنت أفكر في أن أبعث رسالة اعتذار للشاعر المثقف مدير التحرير الجميل الأستاذ عبدالله الحسني، وكان بلطفه المعتاد سيتقبل عذري. لكنني تذكرت كل المرات التي قلت فيها إن بإمكاني كتابة المقال أينما كنت. والرحلة ستبدأ اليوم وما أدراني عن ظروفي الأسبوع المقبل. لذلك كله، قررت أن أكتب المقال، وأعرف أن هناك من سيسأل، أين المقال أصلحك الله؟ وأنا أنظر من حولي وأقول سيأتي المقال، لكن، ما يضر لو تحدثت قليلاً عن نفسي، أرى كل الذين ينجحون من حولي من مشاهير السوشيال ميديا جل ما يفعلونه هو الحديث عن أنفسهم، لست مثلهم، ولا أحسدهم، إنما هي خاطرة مرت على بالي وأنا أكتب. لنعُد إلى الأمير الصغير، هذه الرواية الفاتنة التي قرأتها مؤخراً، والتي ظللت أسمع بها، ولا أعرف شيئًا عنها حتى قرأتها، وجلست أتأكد مرات عدة أنها فعلاً كتبت للأطفال، أو أنها تصنف من أدب الطفل. والحمد لله أنني اكتشفت أنها كتبت للكبار، أو لتوقظ الطفل داخل الكبير، ولذلك ربما أحببت هذا الكتاب العظيم. كتبها الطيار الفرنسي أنطوان دي سانت اكزوبيري، رواية ممتعة وعميقة، وفانتازية بمناسبة الحديث عن الفانتازيا الذي شاع هذه الأيام. حين تقرأ الرواية تبدأ في استعادة الأشياء الغبية التي نصنعها بدون تفكير. أو الأشياء التي لا يفهمها الكبار وهي في منتهى الوضوح عند الأطفال، مما يجعلك تتساءل طوال الوقت. كيف أصبحت كبيراً إلى هذه الدرجة، ومتى مات الطفل داخلي. مثلاً، حين تتعرف إلى شخص ما، ما الأسئلة التي تدور في عقل الطفل كي يعرف الصديق الجديد؟ وما الأسئلة التي تدور بداخلك؟ فلنسأل هذا السؤال لأنفسنا لنعرف إلى أي حد نحن بائسون، نحن نسأل، ما جنسيته؟ كم عمره؟ ماذا يعمل؟ كم دخله؟ أين يسكن؟ والنساء يسألن ما نوع الحقيبة التي تحملها؟ اسأل ولدك عن القبيلة التي ينتمي لها أعز أصدقائه، ولاحظ إذا كان يعرف أو يهتم. الكتاب مليء بالشعر، حتى تحسبه قصيدة طويلة. يحفر عميقاً عميقاً داخلك، لدرجة أنني في بعض الأحيان احتجت أن أتوقف لآخذ نفساً عميقاً، وأقول. يا الله. يعيد الكتاب تعريف معنى العلاقات، معنى أن يكون شخص واحد في هذا العالم يعني لك ما لا يعنيه كل العالم، مع أن العالم مليء بأشخاص يشبهونه. لو أردت أن أراجع الكتاب بكل المعاني التي يحمل فيجب أن أكتبه لكم صفحة صفحة. اقرؤوه وحاولوا أن تستعيدوا طفولتكم.