المملكة تؤكد ريادتها الرقمية ودعمها المستمر للتنمية المستدامة العالمية    بيرغوين: أستمتع بوقتي في السعودية وأريد الاستمرار مع الاتحاد    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    باريديس يعود إلى فريق بداياته بوكا جونيورز    كريستال بالاس ينافس في دوري المؤتمر وليون بالدوري الأوروبي    مشاري بن جلاله عريساً    «سلمان للإغاثة» يوزع (1.000) سلة غذائية و(1.000) حقيبة إيوائية في عدة قرى بريف اللاذقية    أخضر السلة يكسب نظيره العماني في البطولة الخليجية تحت 16 عامًا    المملكة توزّع (759) سلة غذائية في مدينة بيروت بجمهورية لبنان    المملكة تستعرض مبادراتها في دعم صناعة النقل البحري في لندن    القبض على (6) يمنيين في جازان لتهريبهم (195) كجم "قات"    السعودية تتخذ خطوات تعزز أمن الطاقة العالمي وتدعم استقرار الأسواق    عبد الله عطيف يُعلن اعتزاله    خطيب المسجد النبوي: الإخلاص لله واتباع سنة نبيه أصلان لا يصح الإيمان إلا بهما    ثيو هيرنانديز: سعيد باللعب لأكبر نادي في السعودية    خطيب المسجد الحرام: التوبة والرحمة بالمذنبين من كمال الإيمان والغلو في الإنكار مزلق خطير    مستشفى "التخصصي للعيون" يحصل على عضوية جمعية بنوك العيون الأوروبية (EEBA)    إطلاق أول دليل إرشادي سعودي لعلاج التهاب الفقار اللاصق المحوري    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية يقيم دورة لتدريب منسوبي الفرع لغة الإشارة    من قلب أفريقيا إلى السعودية: الغبار الأفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    نسك من الحجوزات إلى الخدمات والخصومات للحجاج والمعتمرين    الذكاء الاصطناعي هل يمكن استخدامه لاختيار شريك الحياة؟    معالجة الهدر والاحتيال وسوء استخدام التأمين الصحي    48 ألف عينة بيولوجية في مختبرات وقاية    ارتفاع أسعار الذهب    الصين تطور قطارًا تصل سرعته إلى 600 كيلومتر في الساعة    القلاع والبيوت الحجرية في جازان مقصدًا للسياحة محليًا وعالميًا    أخضر البراعم يدشن مشاركته في البطولة الآسيوية بمواجهة الصين تايبيه السبت    الاتحاد السعودي للإعاقات البصرية ونادي الشباب يوقّعان اتفاقية شراكة استراتيجية    ريال مدريد يُخبر النصر بسعر رودريغو    قطة تهرب مخدرات    القوة الناعمة.. السعودية غير؟!    خمسة كتب توصي سوسن الأبطح بقراءتها    السينما وعي    مازن حيدر: المُواطَنة تبدأ بالتعرّف على التاريخ    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالأحساء ينظم ورشة عمل نوعية بعنوان: "القيادة الإعلامية"    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة بزه بنت سعود    جمعية الذوق العام تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    رحلة شفاء استثنائية.. إنهاء معاناة مريضة باضطراب نادر بزراعة كبد فريدة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    أكبر مصنع لأغشية التناضح العكسي    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    أكد على تعزيز فرص التعاون مع روسيا..الخريف: السعودية تقود تحولاً صناعياً نوعياً وشاملاً    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متسولة ولكن..!
نشر في الرياض يوم 17 - 10 - 2024

اتجهت نحو مسجد يقع على شارع رئيس لأداء صلاة الظهر.. وضعت حذائي على أحد الرفوف المخصصة لوضع الأحذية على جانب المدخل الأيسر من بوابة المسجد، كانت الأرفف فارغة تمامًا، بينما تناثرت الأحذية أمام المدخل بشكلٍ عشوائي.. كان حذائي هو الوحيد الذي يقبع في الصف الخامس من الرفوف، وهذا أشعرني بالأسى والقنوط من أن لا شيء يتغير.
يا ترى ما الذي يجعلهم يترفعون عن حمل أحذيتهم باليدين، ووضعها في المكان المخصص لذلك؟ يشغلني التفكير في هذا السلوك كثيرًا، حتى أني مع مرور الزمن وثباتهم على هذه العادة، بدأت أشك في نفسي، عندما أرى حذائي يقبع وحيدًا في الرف، بل ينتابني شعور بالخوف والخجل من أن يراني من يعرفني فينعتني بالوسواس، أو غيرها من الصفات المذمومة اللاذعة التي يرددها الناس في هذه المدينة، عندما يرون سلوكًا مغايرًا لما اعتادوا عليه، حتى لو كان حسنًا!
نسيت هذا السلوك عندما دخلت المسجد ووقع نظري على سيدة متربعة في جلستها، في الركن الخلفي من المسجد، ومتكئة على الجدار الذي لا يفصله عن الصف الأخير سوى أمتار قليلة، كانت متلفعة بعباءة باهتة اللون، وفي حجرها رضيع، لم أشك أنه ابنها.
بدا الأمر طبيعيًا فما أكثر المتسولات في هذه المدينة، ينتشرن في السوق القديم، وعند الأسواق الحديثة في شمالها، وعلى الطرق الرئيسة، وعند أبواب المحلات الكبرى، وغالبًا عند المساجد للاستفادة من الحالة الإيمانية التي تغشى المصلين، فتشف نفوسهم، ويكونون أقرب إلى فعل الخير والبذل. إنهن يبتكرن طرقًا ووسائل متنوعة لا تنتهي لاستعطاف قلوب المتسوقين والمارة. هذه المرأة لم تكتفِ بالجلوس على عتبة باب المسجد، بل اختارت زاويةً داخل المسجد.
دخلت في الصلاة.. حاولت أن أطرد تلك الهواجس التي داهمتني، حتى لا تشغلني عن الخشوع في صلاتي. ولكن هيهات! فما إن شرع الإمام في الركعة الثانية من الصلاة حتى بدأت سلسلة من الأصوات الغريبة تنبعث من الزاوية التي تقبع فيها المرأة، مما جعلني أخرج من حالة الخشوع، وربما شاركني غيري من المصلين ذلك التشتت، فما بين فينة تنطلق صرخة مفاجئة للرضيع، يسكت بعدها برهة، ثم ما يلبث أن يصرخ فجأة. لا أدري كيف تخيلت، أنها حركة مقصودة تفتعلها المرأة لجلب بكاء الرضيع من خلال قرصة على جسمه استجلابًا لمزيد من التعاطف، ولكن هل من أمٍ تجلب الألم لابنها؟! حاولت أن أطرد هذه الهواجس، وأستحضر حواسي كلها في صلاتي، على أن أفعل شيئًا بعد الصلاة.
بعد أن سلَّم الإمام تعمدت أن أتأخر في الخروج، فأديت السنة الراتبة، وجلست قليلًا بعدها، مع كثير من اللفتات لرصد ما يفعله المصلون تجاهها، كانوا يتهافتون نحوها، ويضعون ما تجود به أنفسهم، من مختلف الفئات النقدية في كيس بلاستيكي مفتوح، يتأرجح يمينًا وشمالاً بين يديها.
عندما خلا المسجد خرجت، ووقفت في زاوية بعيدة نوعًا ما، بحيث أراها عند خروجها دون أن تراني. تذكرت تلك المرأة التي جلبت معها طفلها في رحلة التسول اليومية، وجلست في الشمس أمام بوابة السوبر ماركت في محطة الطريق الطويل، وهو معها دون واقٍ من حرارة الشمس ما أثار غضبي ودعاني إلى توبيخها.
توقفت سيارة بيك أب من نوع داتسون غمارتين في الجهة المقابلة للمسجد.. ضرب السائق منبه السيارة ثلاث مرات.. وما هي إلا دقائق حتى خرجت تحمل الرضيع وركبت في المرتبة الخلفية، فتبعتهم من شارع إلى آخر، اختفت سيارتهم عن ناظري عدة مرات، ولكني أدركها في كل مرة.
اتجهت السيارة إلى شمال المدينة، ثم دخلت في حي راقٍ إلى أن توقفت عند فيلا كبيرة فاخرة.. نزلت المرأة لوحدها دون أن تحمل الرضيع، مما جعلني أتيقن بأنه ليس ابنها، ثم ما لبث أن تقدم رجل آخر وأنزل الرضيع، واختفوا جميعًا داخل الفيلا، وأغلقت البوابة، قد يكون ابنه أو ابنًا لأحد العاملين في هذا القصر؟ لمَ لا! لو كان ابنها لما جعلته يتألم ولا ثانية، الأمهات لا يفعلن ذلك.
أوقفت سيارتي، وتقدمت راجلًا نحو الفيلا، وجلست قريبًا من الباب أُشبه متسولًا مبتدئًا، خصوصًا وأن ملابسي لم تكن نظيفة ذلك اليوم، أما شماغي المكرمش فقد تركته فوق رأسي كيفا اتفق.
لا أدري ما الذي دعاني للجلوس، ولماذا لم أذهب بسرعة بعد هذا الاكتشاف العظيم: البيت الباذخ، بل القصر الشامخ، والسيدة مهلهلة الثياب، ذات العباءة الباهتة التي تستجدي الناس الريال والريالين!
بعد وقت ليس بالقصير، فتحت البوابةُ، وأبانت عن سيارة جديدة فخمة من نوع «لكزس» يقودها سائق أنيق، وفي المقعد الخلفي تقبع سيدة تحمل الملامح والقوام نفسه لتلك المرأة التي كانت تركب البيك أب وتستجدي الناس، بيد أنها أكثر نضارة وأناقة.
استولت علي مشاعر الدهشة والاستغراب؛ تعلقت عيناي بالسيارة ومن بداخلها، ذات العينين الواسعتين تنظر إليّ باستغراب، وكأنها للتو رأتني، ثم تنقل عينيها عني، وتلتفت إلى السائق، وتقول له كلامًا، وتمد إليه شيئًا. أوقف السائق السيارة تمامًا، ثم نزل منها واتجه نحوي، توترت قليلًا، وهيأت نفسي لمعركة كلامية أو جسدية مع هذا الرجل، ولكنه بادرني بابتسامة، وناولني ورقة نقدية من فئة مائة ريال وهو يقول:
«مدام تقول: لا تجلس في هذا المكان مرة ثانية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.