عبدالله الفيصل.. أسطورة وطنية تفوح بروائح الإنجاز والإبداع والنجاح

أعاد هيكلة (أهلي جدة) وتطويره على أسس حديثة
صدر حديثاً كتاب (طيب الله ثراهم) لعميد المؤرخين الرياضيين د. أمين ساعاتي (82 عاماً) الذي وصفه ب"كتاب الوفاء لكل من يستحق الوفاء"، وهو إصدار وثائقي رياضي يتحدث عن رموز رياضية وأسماء معروفة من القيادات الرياضية ونجوم الكرة والإعلاميين والحكام ومحبي الألعاب الرياضية الذين توفاهم الله، وحرص الساعاتي على تخليد ذكراهم وسيرهم الطيبة بلمسة وفائية غير مستغربة منه من خلال هذا الكتاب الذي جاء في 266 صفحة، وتحدث فيه عن 62 نجماً بنوا أنديتهم ورحلوا إلى الرفيق الأعلى -رحمهم الله-.
في صفحة الإهداء يقول المؤلف: "في حياتنا نجوم كثيرة تلألأت في سماء الوطن وأحسنت صنعاً بما عملت وأنجزت ثم رحلت إلى مثواها الأخير، إليهم أهدي هذا الكتاب".
وفي مقدمة الإصدار كتب عميد المؤرخين: "سُعدت بمتابعة (تغريدة) ظلت نشطة في وسائل التواصل الاجتماعي لأسابيع وكانت تتفاخر برجالات الزمن الجميل وحينما قرأت التغريدة علقت في ذهني ولم تفارقني حتى قررت أن أصدر كتاباً استعرض فيه أعمال ثلة من أشاوس الزمن الجميل الذين رصّعوا تاريخنا الرياضي بمجموعة أعمال نفتخر بوجودها بيننا حتى اليوم.. رحلت عن عالمنا وتركت اعمالها تتحدث عن تاريخهم المجيد.. أي أن الكتاب فيه مجموعة من المشارب الرياضية المختلفة وكلهم من جيل الزمن الجميل وفي جعبة كل واحد منهم نموذج جميل من الزمن الجميل.
ومن حسن الحظ أننا نعيش في هذه الأيام مرحلة جديدة ومختلفة عن مراحل الزمن الجميل، فإذا كانت تلك المرحلة قد اهتمت بالأندية الرياضية التقليدية فإن المرحلة الحالية التي بدأت مع إعلان الأمير محمد بن سلمان عن مشروع الاستحواذ والتخصيص ليست مرحلة الأندية التقليدية وإنما هي مرحلة المؤسسات السعودية غير الربحية، وهي مرحلة جديدة وممنهجة وتهدف إلى التنافسية مع الكبار، وسوف تتحقق في هذه المرحلة نقلة فارقة للرياضة السعودية ومختلفة تماماً عن المراحل التاريخية السابقة التي بدأت منذ تأسيس أول الأندية السعودية في العام 1927م وهو نادي الاتحاد العميد. وإذا كنا في السابق قد اهتممنا بماضي الأندية فإننا في المستقبل يجب أن نهتم بمستقبل الأندية التي حملت اسم المؤسسات السعودية غير الربحية.
قبل رئاسة الاتحاد الفخرية قبل 75 عاماً وأهدى لاعبه (زهران) أول سيارة
دعم الأهلي المصري والمريخ السوداني والرجاء المغربي والترجي التونسي
عبدالله الفيصل (مجموعة إنسان)
من جانب آخر كان (رائد الرياضة السعودية الأول) الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- في مقدمة الرموز التي تحدث عنها المؤلف في كتابه ووصفه ب(مجموعة إنسان) وارتبط د. الساعاتي بالأمير عبدالله على مدى خمسة عقود ماضية.
ونسلط الضوء في الأسطر التالية على سيرة رائد الرياضة الأول كما وثقها عميد المؤرخين الرياضيين ونشرها في إصداره الجديد.
يقول الساعاتي: ولد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل في العاصمة الرياض في 5 ذي القعدة 1341ه الموافق 18 يونيو 1923م، وانتقل إلى الرفيق الأعلى وهو في ال 87 من عمره في 21 ربيع الآخر 1428ه الموافق 8 مايو 2007م.
من قلب جدة إلى طريق المدينة
وكان سموه يتمتع بالكثير من الألقاب، فهو رياضي من الطراز الأول، وهو شاعر يتفرد بشعره ويتغنى بشعره الملايين، وهو فارس ملهم يمارس الفروسية ويبرع فيها، وهو مجموعة إنسان عرف عنه أنه يهيم في حب وطنه المملكة العربية السعودية، ويخص مدينة جدة الفتية والبهية بالكثير من الحب، ولذلك حينما مرض في أواخر عمره توقف عن القيام برحلته اليومية التي كان يقوم بها من قلب جدة إلى (طريق المدينة) وتوقفت مع خطواته زخات عطر العود الذي كان يعطر به يومياً (طريق المدينة) وبذلك فقد الطريق رائحة العطر الفواحة وبدأت المدينة الونيسة جدة تستعد ليومها الحزين، وما هي إلاّ أيام قلائل وإذا بجدة تعلن عن أحزن أيامها، وتلبس ثيابها القاتمة، وتعلن عن وفاة علم من أعلامها، ونجم من نجومها، وتبكي الرائد العم عبدالله الفيصل -طيب الله ثراه-.
صفحة من أغلى صفحات جدة
في تلك الأيام الحزينة، أعلنت شوارع جدة وأزقتها وبيوتها ودكاكينها وحاراتها وناسها العزاء على وفاة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز، وكان الجدادوة أجمعين يذرعون الشوارع والأزقة والحارات وهم في حزن عميق على هذا الفقد الغالي. لقد انطوت صفحة من أغلى صفحات هذه المدينة البهية، والذكية، والعبقرية.
الأمير عبدالله
أسطورة وطنية
هو رائد الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية ورائد الشعر الرومانسي في العالم العربي ورائد الفروسية ورائد وزارة الداخلية، وفي كل مجال من هذه المجالات كان أسطورة من أساطيرنا الوطنية.
أول مسؤول يرعى مباريات رياضية
وهو أول مسؤول حكومي رفيع المستوى يرعى المباريات الرياضية، ويحضر المباريات الكبيرة، ويمنح أنديتها الجوائز، ويؤسس أول إدارة حكومية تنظم وتشرف على إدارة النشاط الرياضي الأهلي.
وتلقى تعليمه العام بمدارس مكة المكرمة وشغل سموه العديد من الوظائف الحكومية الرفيعة منذ عهد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه،- حيث عيّن وكيلاً لنائب الملك في الحجاز ووزيراً للداخلية ووزيراً للصحة ووزيراً للمعارف.
تولى إدارة مجلس الوكلاء (مجلس الوزراء) نيابة عن والده جلالة الملك فيصل -رحمه الله- عندما كان نائباً للملك المؤسس عبدالعزيز في الحجاز. وفي عام 1370ه عيّن الأمير عبدالله الفيصل وزيراً للداخلية ووزيراً للصحة ووزيراً للمعارف ثم ظل وزيراً للداخلية فقط، وصدرت أوامر ملكية باستقلال وزارة الصحة واستقلال وزارة المعارف. كما تقلد سموه في حياته عدداً من الأوسمة والجوائز والشهادات التقديرية.
بدأت اهتماماته بالأندية الرياضية منذ توليه وزارة الداخلية عام 1370ه (1950م) وكان سموه أول من رعى المباريات التي كانت تقام بين الأندية السعودية والبواخر الأجنبية كما كان يرعى بعض المباريات المقامة بين الأندية السعودية في مكة المكرمة وجدة.
أهدى أول سيارة للاعب
ولقد قبل سموه الرئاسة الفخرية لنادي الاتحاد بجدة في عام 1370ه بعد أن شرف مباراة أقيمت بين الاتحاد والباخرة شيفرن وانتهت بهدف مقابل لا شيء، وتبرع الأمير عبدالله للاعب الاتحاد صالح زهران أسود بسيارة كابرس، وهي أول تبرع على مستوى سيارة في تاريخ الأندية!
أسس اتحاد الكرة
وخلال توليه وزارة الداخلية أسس أول إدارة حكومية عام 1373ه (1953م) تشرف وتنظم الرياضة الأهلية باسم الإدارة العامة للرياضة والكشافة، واعتمد ميزانية مستقلة لها من جيبه الخاص، وتعاقد مع أبرز خبراء الكرة المصرية آنذاك أمثال مصطفى كامل منصور وخليل التاودي ثم لبيب محمود وعبدالرحمن فوزي، وأسس الاتحاد السعودي لكرة القدم وحصل على العضوية في الاتحاد الدولي (الفيفا) عام 1376ه (1956م) ووضع برنامج لتأهيل الحكام السعوديين وتنظيم أول دورة لحكام كرة القدم السعوديين في مصر بالاتفاق مع الاتحاد المصري عام 1375ه.
بداية كأسي الملك وولي العهد
وبدأ في عهده عام 1377ه (1957م) الدوري العام على كأس الملك (كأس خادم الحرمين الشريفين) ودوري الكأس على كأس سمو ولي العهد (للوطنيين).
الأب الروحي للنادي الأهلي
وتولى سموه رئاسة الاتحاد السعودي لكرة القدم عام 1389ه (1969م) وكان الداعم بلا حدود للنادي الأهلي بجدة، حيث أعاد هيكلته وتطويره على أسس حديثة ليكون نادياً نموذجياً منذ عام 1369ه، وعمل مع مجلس الإدارة بالرأي والمشورة والدعم ليكون نادياً أوليمبياً فيه جميع الألعاب ويستقطب شباب المملكة ليجدوا في هذا النادي المكان الملائم والمناسب لقضاء أوقات فراغهم وإبراز قدراتهم الرياضية والثقافية.
دعم الأهلي والمريخ والترجي والرجاء
ولقد ساهم الأمير عبدالله الفيصل بالدعم المادي والمعنوي لعدد من الأندية العربية ومنها الأهلي المصري والمريخ السوداني والترجي التونسي والرجاء المغربي.
سيرة تفوح بروائح الإنجاز والنجاح
إن السيرة الذاتية للأمير عبدالله الفيصل تفوح منها روائح الإنجاز والإبداع والنجاح، وفيها محطات تعبر عن شخصية موهوبة وإبداعية وقليلة الوجود -رحمه الله-.
الأمير عبدالله في القاهرة عام 1947م مع أبنائه «من اليمين» خالد -رحمه الله-، عبدالرحمن، محمد -رحمه الله-
رعى انطلاقة كأسي الملك وولي العهد عام 1377ه في ملعب الصبان
الأمير عبدالله الفيصل عام 1425ه يسلم رئيس الاتحاد منصور البلوي كأس بطولة سابقة
الأمير عبدالله الفيصل قدم أول سيارة هدية للاعب سعودي
عميد المؤرخين د. أمين ساعاتي داخل متحفه الرياضي
عميد المؤرخين د. أمين ساعاتي يستمع لتوجيهات رائد الرياضة 1388ه
الأب الحنون عبدالله الفيصل مع ابنته الأميرة سلطانة
بعد تركه للعمل الحكومي تفرغ الأمير عبدالله للقراءة والشعر والاهتمام بالثقافة والأدب