عن دار جداول للنشر والترجمة، أصدر الدكتور سعيد الدحية الزهراني رئيس قسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام كتاب (نخب النظام الرقمي.. المرجعيات والفلسفة والتاريخ الاتصالي في السعودية) في أكثر من 400 صفحة من القطع المتوسط. الكتاب في أصله رسالة علمية نال الباحث من خلالها درجة الدكتوراة في فلسفة الإعلام والاتصال الرقمي، وفيها ناقش الباحث ما أحدثته بيئة الاتصال الرقمي بما تحمله من إمكانات اتصالية فريدة، توفرها حزم من البرمجيات والتطبيقات التي تتوالد تباعاً وسراعاً، التغييرات الجذرية التي لم تشمل أنماط التعاطي وأشكال التفاعل ومستويات الانعكاسات فحسب، بل طالت حتى المفاهيم التي استقرت في الوعي المعرفي الإنساني لأزمنة طويلة مفرزة تغيرات دلالية وتطبيقية متعددة، الأمر الذي أسهم في تشكل ملامح مرحلة حضارية إنسانية جديدة على غير نسق سابق، ما أدى بالضرورة لا بالاختيار إلى إنتاج محاولات علمية تستهدف صياغة مفاهيم جديدة، قادرة على توصيف الظواهر المرتبطة بهذه البيئة الجديدة وآليات تناولها وتفسيرها وتأويلها، وضبط مصطلحاتها. وفي هذا السياق تولدت ملامح رؤية تشير إلى أن الوسيط الاتصالي الجديد مغاير إجمالاً للقديم، والقوى الفاعلة فيه ليست بتلك القوى المؤثرة في البيئات الاتصالية السابقة، بل إن النموذج الاتصالي برمته ليس بذلك النموذج التقليدي. ويتناول كتاب (نخب الاتصال الرقمي) الذي اعتمد في بنائه على المسار الفلسفي، نماذج الثورات العلمية الكبرى التي عرفها مبحث فلسفة العلم (الكوبرنيكية، والداروينية، والفورويدية)، شهد ولادة ثورة علمية كبرى رابعة تضاف إلى الثلاث السابقة، وهي (الثورة التورينغية)، حيث يتجلى عبر التأويل الفلسفي لهذه الثورات الأربع المتعاقبة؛ بدءاً بسقوط الإنسان عن محورية الكون، ثم سقوطه عن محورية المملكة البيولوجية، ثم سقوطه عن محورية العقل الشعوري، ثم سقوطه عن محورية التفرد بالذكاء، يتجلى مدى تشبث النوع الإنساني بمعاني القيادة والأفضلية والنخبوية على امتداد مراحل خلافته الأرض ولعل تتبعاً تأملياً فاحصاً يكشف عن أن الثورات الثلاث الأولى يمكن أن تنتظم ضمن تصنيف معنوي وجداني عام، ولهذا يذهب بعض الباحثين إلى وصفها ب(الجرح النرجسي الكوني)، أما الثورة الرابعة –وهي الخاصة بالعصر الاتصالي الرقمي، كما أنها إضافة حديثة وغير مشتهرة في حقول المعرفة– فيرى الباحث أنها ثورة حسية تطبيقية مُنْتَجة لا مكتسبة أو طبيعية كسابقاتها، وهذا هو الأساس الذي يبني عليه الباحث رؤيته لنموذج الاتصالية الرقمية، إذ تسفر التأملات التحليلية وفق تتبع الثورات العلمية السابقة عن أن الثورة الرقمية أو النموذج الرقمي يرتكز على ثلاث ركائز رئيسة هي: 1 - مستحدث وغير طبيعي. 2 - بناؤه المحوري قائم على المعلومات وصناعة الذكاء. 3 - النواة العميقة لفكرته تتمثل في تحدي الإنسان وقيادته. هذه المناقشات وما يتصل بها وما يدور حولها من قبيل المرجعيات الفكرية للبيئة الاتصالية الرقمية، وحضور النخب ضمنها، وحركة المجتمعات حيالها، والتكوين الفلسفي المتصل بها، والإشارة إلى معالم التاريخ الرقمي في السعودية على ضوئها، هي مدار اشتغال هذا الكتاب. لقد سعى هذا الكتاب –وفق أصل الرسالة- إلى قراءة السلوك الاتصالي لدى النخب عبر الفعل النخبوي بوصفها مكوناً قائدياً يحتل مكانة بارزة في عملية قيادة الاتجاهات وخلق الأثر وصناعة المواقف والتأثير فيها، إلا أن الوسيط الرقمي المستجد –تراه الدراسة نموذجاً "برادايم" حضارياً جديداً- أحدث ارتباكاً بيناً في بنية الأسس المعرفية والتطبيقية أدى إلى اهتزاز المفاهيم وتشظي التقعيدات وازدواج الدلالات، في ظل بروز فاعلين جدد من قبيل مكون المشاهير والمؤثرين، فضلاً عن بروز الفعل النخبوي الرقمي ضمن التيار الفكري المتشكل وفق النموذج الحضاري الجديد، وليس انتهاء بتمدد فروض النخبوية العضوية المجالية لتشمل العضويات الأدق تخصصاً، ثم المجموعات العضوية الرقمية، ثم العضوية الهجينة، وذلك في إطار محاولة بلورة مرجعية فلسفية اتصالية رقمية استناداً إلى التراث المعرفي للعالم لوتسيانو فلوردي. أما على الجانب التطبيقي فيبرز إلحاح الحقول الاتصالية التطبيقية على باحثيها والمتخصصين في مجالاتها، أن يتجهوا نحو صوغ أطر منهجية جديدة بمقدورها احتواء الظواهر الرقمية، وذلك بالاسترشاد بتراث الأعراف العلمية المنهجية التقليدية، على النحو الذي تبنته هذه الدراسة في ابتكار عملين منهجيين؛ أولهما أسلوب العينة الكيفية الرقمي، والثاني تصميم نموذج تحليل الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي (شبكة تويتر نموذج الدراسة). لقد انتهت الدراسة وفق ما تضمنه هذا كتاب (نخب الظام الرقمي) إلى عدد من النتائج والتوصيات، أبرزها يتمثل في أن السلوك الاتصالي الرقمي لدى النخب يتحصل عبر السلوك الجمعي بالممارسة وفق سهولة ويسر التطبيقات، ومع هذا تخسر النخب الممتدة كثيراً جراء التسليم بالمعطيات التلقائية، في مقابل احترافية النخب المنبتة من الأجيال الشبكية، في إشارة إلى ارتحال دلالة النخبوي من معيارية الثقافة التقليدية إلى معطيات الثقافة الرقمية، ليس على مستوى القشور السطحية، بل على مستويات أعمق من قبيل المرجعيات القيمية والمفاهيم الرمزية لدى النخب. يشار إلى أن الكتاب سيتاح عبر دار النشر (دار جداول) في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ستنطلق فعالياته في الفترة من 28 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 2023م بجامعة الملك سعود.