أمير منطقة جازان ونائبه يتفقدان محافظة "جزر فرسان"    قرعة كأس السوبر.. مواجهة نارية مرتقبة في هونج كونج    بطولة حائل للدرفت أكثر من 60 متسابقاً يتنافسون على لقب ثلاث فئات    نائب أمير الشرقية يستقبل عددًا من رجال الأمن ويُشيد بجهودهم الأمنية المتميزة    نائب وزير الصناعة: المدن الصناعية في القصيم تعمل بنسبة إشغال تصل إلى 77%    مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية يفعّل دوره الإنساني    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    خدمات متكاملة لخدمة جموع المصلين في المسجد النبوي    صندوق الاستثمارات يطلق شركة إكسبو 2030 الرياض    الهلال يحظى بإشادة عالمية بعد تعادله التاريخي أمام ريال مدريد    الذهب يتذبذب مع استمرار توترات الشرق الأوسط    "نوفا" تطلق رحلة زراعة 200 ألف شجرة بالتعاون مع مركز تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    الولايات المتحدة تقرر فحص حسابات التواصل الاجتماعي لجميع المتقدمين للحصول على تأشيرة طالب    وكيل وزارة الحج والعمرة يدشّن جائزة "إكرام للتميّز" لتحفيز مراكز الضيافة خلال موسم حج 1446ه    أكثر من 3 آلاف عامل يواصلون أعمال النظافة في المسجد النبوي.    الجامعة الإسلامية أطلقت مبادرة لتحفيز المبتعثين لديها على النشر في المجلات العلمية الدولية    الذكاء الاصطناعي والبشر: من يقود المستقبل؟    جمعية البر بأبها توقّع شراكة مع 7 جمعيات أهلية بعسير    المنتخبات الخليجية تفشل في التأهل رغم وفرة الإنفاق    المنتخب السعودي ينهي استعداداته لمواجهة أمريكا في الكأس الذهبية    استشهاد 16 فلسطينيًا وسط غزة    انخفاض أسعار النفط    أعلنت السيطرة على بلدتين أوكرانيتين جديدتين.. روسيا تتقدم في سومي بعد استعادة كورسك    المساحة الجيولوجية تفتح باب القبول في برنامج "صناع الغد"    عريجة يزف نجله محمد    الهوية الرقمية والسجل لا يخولان الأطفال لعبور"الجسر"    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    2.7 مليار تمويلات زراعية    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    حققت حلمها بعد 38 عاما.. إلهام أبو طالب تفتتح معرضها الشخصي    تستضيفه جامعة الأعمال في فبراير المقبل.. مؤتمر لدعم الموهوبين السعوديين وتعزيز روح الابتكار    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    في ثاني جولات مونديال الأندية.. الأهلي في اختبار بالميراس.. وميامي يلاقي بورتو    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    كشف مهام «وقاية» أمام أمير نجران    فهد بن سلطان للمشاركين في أعمال الحج: جهودكم محل فخر واعتزاز الجميع    أخضر اليد يخسر مواجهة مصر في افتتاح مبارياته ببطولة العالم تحت 21 عاماً    رسالة المثقف السعودي تجاه وطنه    الرواشين.. فنّ يتنفس الخشب    سعود بن بندر يستعرض جهود «تعافي»    وزير العدل يدشّن بوابة خدماتي لمنتسبي الوزارة    الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. وبيان مملكة السلام    انتظام مغادرة رحلات الحجاج من «مطار المدينة»    انسيابية في حركة الزوار بالمسجد النبوي    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع اتفاقية لحفر 78 بئرًا في نيجيريا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يجري عملية بتقنية المنظار ثنائي المنافذ وينهي معاناة مراجع مصاب ب«الجنف» مع انزلاق وتضيق بالقناة العصبية    صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم 500 مستفيد    مسار الإصابات ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    لماذا تركت اللغة وحيدة يا أبي    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    سالم الدوسري: هدفنا كان الفوز على ريال مدريد    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    الغامدي يلتقي بالمستثمرين وملاك مدارس التعليم الخاص بالطائف    السعودية صوت الحق والحكمة في عالم يموج بالأزمات    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    أمير تبوك خلال تكريمه المشاركين في أعمال الحج بالمنطقة جهودكم المخلصة في خدمة ضيوف الرحمن محل فخر واعتزاز الجميع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بينهم وزراء وقضاة وموظفون يشغلون مواقع مهمة وحساسة
نشر في الرياض يوم 27 - 02 - 2022

لصوص لا يستخدمون أساليب اللصوص العاديين كالتخفي ولبس الأقنعة السوداء، ولا يحملون أدوات للسرقة، كاستخدام أسلحة للسطو على المتاجر، أو البنوك، أو المنازل، لكنهم في الغالب يميلون إلى استخدام القوة الناعمة في التعامل مع ضحاياهم، ويشغلون مراتب عليا في الدولة، من بينهم وزراء، وأصحاب معالي، وقضاة، ومديرون وموظفون يشغلون مواقع مهمة وحساسة، أطلق على جرائمهم اسم «جرائم الياقات البيضاء» لأول مرة عام 1939م، إذ يتعامل الجناة مع الوقائع بذكائهم وعقلياتهم وبنغم هادئ يصعب اكتشافه.
يستخدمون نفوذهم في السرقة والتخفي وتلاحقهم الشرطة الدولية
وفي العادة تقرن الجرائم بالطبقة الفقيرة والتي لِضيق اليد تلجأ لأساليب غير قانونية لربح قوت يومها، غير أنّ مصطلح «جرائم ذوي الياقات البيضاء» والذي ظهر بفضل عالِم الاجتماع «إدوين ساذرلاند» سنة 1939م قد أدمج ذوي الطبقات الاجتماعية العليا في ميدان الجرائم المالية، إذْ عرّف «إدوين سذرلاند» «Edwin Sutherland» جريمة ذوي الياقات البيضاء بأنها جريمة يرتكبها فرد من ذوي الطبقات الاجتماعية العليا وله مكانة مرموقة في نطاق مهنته، وبذلك تكون تلك الجرائم ذات أثر كبير على توازنات اقتصاد الوطن ونتائجها أكبر من جرائم الطبقات الفقيرة؛ لأنّ متابعتها قضائيّاً في بعض الدول تبقى محدودة؛ لأنّ القانون في تلك الدول يبقى ضعيفاً وفجواته كثيرة ليتحكّم في مثل هذه القضايا، أو لأنّ النفوذ الذي يمتلكه ذوي الياقات البيضاء يفوق ويعلو على القوانين.
المملكة تستعيد 247 ملياراً تمثل 20 % من الإيرادات غير النفطية
كسب سريع
وعرّفت نظرية «إدوين ساذيرلاند» مجرمي الياقات البيضاء بأنهم ذوو دوافع إجرامية مختلفة عن بقية المجرمين، فغالباً ما يكون مجرمو الياقات البيضاء أثرياء أو في مواقع مهمة هدفهم المال، ينتهجون لأجله دروباً مختلفة في جرائم الفساد كالاختلاس وغسل الأموال والرشوة لتحقيق مكانة مرموقة في المجتمع أو نفوذ كبير، ويستغلون الجاه والاسم العائلي والمركز الاجتماعي للوصول إلى أهداف غير مشروعة، وتهدف جرائم الياقات البيضاء إلى التكسب المادي السريع الضخم غير المشروع باستغلال السلطة والنفوذ دون أي مظاهر للعنف وعبر رسم مظاهر الثراء والبذخ، وتتضمن جرائمهم تحريفاً في طريقة كسب الأموال ومصادر الدخل لطمس حقيقة منشأ الأموال التي يكسبونها.
ويعرف أصحاب الياقات البيضاء بإصرارهم على ترويج الفرص والأنشطة الاستثمارية الوهمية والاحتيالية كغطاء لهم لخداع الآخرين وحجب مصدر نشاطهم الإجرامي الأصلي، وتعد جرائم الفساد من أبرز الجرائم التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء، ولهذه الجريمة آثار مدمرة على الاقتصاد وأمن المجتمع.
حملات مستمرة
وواصلت المملكة العربية السعودية جهودها الجبارة في الحرب على الفساد ومكافحته، لاستكمال مستهدفات التنمية والتطوير والتحديث والبناء، بعيداً عن أي معوقات قد تعترضها، فأطلقت لذلك الحملات المستمرة للقضاء عليه عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمراً ملكياً في 4 نوفمبر 2017م بإنشاء لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، فباشرت عملها عشية اليوم الذي تأسست فيه، وكشفت تلك الحرب المستمرة على الفساد الأهمية المتزايدة والمعلنة ضده منذ تولي الملك سلمان يسانده في ذلك ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بالإشراف المباشر على عمليات مكافحة الفساد والقضاء عليه والتخلص من آثاره السلبية والمعيقة للتنمية والاستثمار والتطور.
وقد عد سمو ولي العهد الفساد العدو الأول للتنمية والازدهار وسبب ضياع الفرص الكبيرة، حيث كان يقضي في السنوات الماضية على ما بين 5 % إلى 15 % من ميزانية الدولة في الأعوام الماضية، ولكن تمكنت المملكة كما قال سموه خلال الثلاث سنوات الماضية من استعادة أموال عامة منهوبة بلغت 247 ملياراً والتي تمثل 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية، هذا بالإضافة إلى أصول أخرى تقدر بعشرات المليارات تم نقلها لوزارة المالية، والتي ستسجل في إيرادات الدولة، مضيفاً: إن استمرار المملكة في جهودها الرامية لاجتثاث الفساد من جذوره، سيعود على المملكة وشعبها بالخير الوفير كونه سيسهم في ازدهار اقتصادها وفي استمرار مسيرتها التنموية بعيداً عن براثن سرطان الاقتصاد وعدو التنمية.
نزاهة وشفافية
وتعمل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة على تحقيق النزاهة والشفافية في بيئات أعمال القطاعين العام والخاص ضمن إطار عمل مؤسسي وقانوني انسجاماً مع رؤية المملكة 2030 الطموحة بأهدافها السامية وبرامجها التنموية والتطويرية والتحديثية الواعدة لتحقيق النجاح بعد النجاح والتميز بعد التميز، وعدم السماح لآفة الفساد أن تعطل الخطط والمشروعات الطموحة وتوقف خطواتها نحو بناء الوطن وتحقيق رفاهية المواطن، ولكي تتحقق هذه الرؤية الوطنية الطموحة كان يجب أن تعالج السلبيات وتواجه بحزم كل مسببات الفشل، وتحارب جميع أدوات الهدم مهما كبر حجمها وحجم أعوانها الذين تسببوا تاريخياً بتعطيل التنمية وضياع الوقت والفرص؛ وهذه المعالجات السريعة والمواجهات الحازمة هي التي عملت عليها الدولة الكريمة خلال الأعوام الأربعة الماضية حتى تحققت النجاحات الكبيرة والمشهودة.
ومنذ أن اعتمدت رؤية المملكة 2030 فإن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل الذي تتطلع له القيادة الكريمة والمواطن المخلص لقيادته ووطنه، ولقد تحقق منذ انطلاق الرؤية الكثير والكثير في سبيل السعي للقضاء على آفة الفساد حتى أصبحت المملكة نموذجاً عالمياً في مجال مكافحة ومواجهة الفساد، حملة وطنية شاملة بدأت قوية جداً، حتى إنها لم تستثن أحداً مهما كان اسمه أو مكانته أو منصبه الرسمي في الدولة، ويزداد التأكيد عليها وعلى أهمية مواصلة العمل على محاربة الفساد حتى يتم القضاء عليه تماماً ويحاسب كل شخص دخل في قضية فساد، ولم تعلن حملات القضاء على الفساد لمجرد الإعلان إنما لترتقي بمكانة المملكة بين الأمم وتجعلها في مصاف الدول التي تحارب الفساد للقضاء عليه.
تشجيع الاستثمار
وتسعى المملكة العربية السعودية من خلال إجراءاتها في مكافحة الفساد إلى توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية والاستثمار، حيث تعمل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على ضمان دعم الجهود المتعلقة بتشجيع الاستثمارات في المملكة، وتتيح إجراءات شفافة وعادلة للتعامل مع شكاوى المستثمرين وفق عمل مؤسسي وقانوني يراعي أنظمة الاستثمار بهدف ضمان حماية جميع الاستثمارات، لما يلعبه الاستثمار من دور كبير في النمو الاقتصادي للدول، ما يوجب ضرورة القضاء على معوقات الاستثمار والذي يمكن أن يكون الفساد هو أحد هذه المعوقات التي تعوق عمليات التنمية في الدول، حيث إن للفساد تأثيراً كبيراً على معظم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل أي مجتمع.
ويرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- أن المملكة تعد أحد أكبر وأهم اقتصادات العالم، مُشدداً على أهمية خطط الاستثمار المستقبلية، مؤكداً على مساهمة صندوق الاستثمارات العامة في تنمية الاقتصاد قائلاً: «أصبح صندوق الاستثمارات العامة أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد السعودي».
خطى ثابتة
وقال الأمير محمد بن سلمان في نوفمبر الماضي: استطعنا مضاعفة حجم صندوق الاستثمارات العامة من 560 مليار ريال إلى ما يزيد على 1.3 تريليون ريال تقريباً، وبخطى ثابتة نحو تحقيق هدف رؤية 2030 بأن تتجاوز أصول الصندوق 7 تريليونات ريال، ليس ذلك فحسب، فمنذ تأسيس الصندوق كان معدل العائد على الاستثمار لا يتجاوز 2 % في أفضل الحالات، مضيفاً: لدينا استثمارات تجاوزت عوائدها 70 %، وأخرى تجاوزت 140 %، هذا تغيير استثنائي يوفر للدولة مداخيل مستدامة لم تكن موجودة في السابق، ولولا عملية إصلاح صندوق الاستثمارات العامة والتي تمت بتوجيه من مولاي خادم الحرمين الشريفين بإعادة تشكيل مجلس إدارته وتكليفي برئاسته لأهميته البالغة في حاضر ومستقبل اقتصاد المملكة، ووضع سياسات لضخ استثمارات ضخمة داخل المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية، لفقدنا أكثر من نصف النمو غير النفطي وغياب عدد كبير من الوظائف التي تم خلقها وانهيار في الطلب على العديد من الخدمات والمنتجات والمواد وإفلاس عدد كبير من الشركات، خصوصاً في ظل انخفاض أسعار النفط.
تعاون دولي
والمملكة تشهد حالياً خريطة طريق لمكافحة الفساد، تشكل مرتكزاً أساسياً لرؤية المملكة 2030 الرامية إلى تنفيذ الإصلاحات والحد من مخاطر الفساد، وتأكيد مكانة المملكة الدولية ضمن مصاف الدول العشرين الأقوى اقتصادياً على مستوى العالم، وقد كثفت جهودها في مجال التعاون الدولي بعقد الكثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، لتعزيز جهود مكافحة الفساد وحماية النزاهة وخصوصاً مع مجموعة دول العشرين، بوصفها دولة الرئاسة للمجموعة للعام 2020م، وسبق وأعلنت الأمم المتحدة أن المملكة تؤدي دورًا رياديًا على المستوى الدولي من خلال مبادراتها التمويلية في مشاريع مكافحة الفساد دوليًا.
ودور المملكة الفعّال أسهم في توسيع الشراكات وتبني المبادرات الدولية أيضاً من خلال تعزيز مشاركة المرأة في مجال منع الجريمة ومكافحة الفساد، وتعزيز الكوادر المختصة في المملكة بهذا المجال، وتقدمت المملكة سبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2019، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، حيث حققت المملكة المركز 51 عالمياً، من أصل 180 دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية G20.
أعشاب ضارة
وينفرد علماء الأخلاق في تناولهم في تفسيرهم لمرتكبي جرائم الفساد وفق النظرية الأخلاقية إلى وصف الظاهرة وقياسها وتحليلها، حيث اهتم كل من رونالد وريت وبمكنز وهما من علماء الأخلاق، بحمى انتشار الفساد في الدول النامية في كتابهما (الفساد في البلدان النامية) وحاولا تعريف الفساد فشبهاه بنوع من الشجيرات أو الأعشاب الضارة التي تنمو في التربة الصالحة فتعوق نمو النباتات النافعة، كما يشيران إلى أن أي فعل فاسد، يعد فاسداً إذا حكم عليه المجتمع بأنه كذلك، وأحس فاعله بالذنب وهو يقترفه، وأن السبب الرئيس لانتشار الفساد يتمثل في الشراهة وحب المال وتدني القيم الأخلاقية.
ومواجهة الفساد الإداري على سبيل المثال، في ضوء هذا الاتجاه يقتضي تدريب موظفين عموميين غير فاسدين، لكنه من الصعب ملاحقة ومراقبة النسيج الأخلاقي للفرد لارتباطه بالنيات غير الظاهرة والسلوكيات غير المعلنة، فالمجرمون ذوو الياقات البيضاء لا يهتمون كثيراً بالقواعد الأخلاقية السائدة فعندما يتورطون في سلوك منحرف فإن مكانتهم لا تتأثر عند الناس الذين حولهم، حيث يجدون تبريرات لتصرفاتهم لذا فإن هؤلاء لا ينظرون إلى ذواتهم باعتبارهم مجرمين، كما أن نظرة المجتمع إليهم تختلف عن النظرة إلى جرائم الشارع.
تبرير أيديولوجي
وترى النظرية البنائية الوظيفية في تفسيرها لجرائم الفساد أن كل نسق في حاجة إلى قدر من الفساد لكي ينمو ويتطور، وهي نظرية في عمومها تحمل تبريراً أيديولوجياً للفساد، على اعتبار أن المنافع العامة أكثر من الأضرار، لذا فإن أصحاب السلطة لا يرتكبون أي فساد، فالفساد يقوم بدور وظيفي في تيسير الأمور ويرى كارل فردريك أن الفساد يعمل على خفض حدة التوترات، ويتيح الفرصة للعمل الناجح فكل نسق في حاجة إلى قدر من الانحراف لكي ينمو ويتطور.
ويرى كولن ليز أن للفساد دوراً إيجابياً في القضاء على الروتين العميق، كما يرى هنت جتون أن الفساد يؤدى إلى تحسين المجتمع التقليدي إلاّ أن روبرت كلت جارد يرى في دراسته الميدانية أن هذا الفساد على الرغم من آثاره الإيجابية فإن هناك آثاراً مدمرة على المستوى البعيد حيث تتنامى تبعاً له سلوكيات الابتزاز، فالمجتمع الذي يستشرى فيه الفساد لا يحتمل أن يتحسن، كما أنه ليس من المحتمل أن يكون فعلاً اقتصادياً أو سياسياً.
مرحلة انتقالية
ورأت نظرية التحديث الوظيفية أن الفساد في الدول النامية يمثل مرحلة انتقالية يمكن تجاوزها فالمظاهر السلبية والضارة للفساد عادة ما يتم تشخيصها على أنها آلام متزايدة بدلاً من كونها تعبر عن مرض مميت، ويشير هذا الاتجاه إلى أن المجتمعات الصناعية المتقدمة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية قد مرت بحالة المجتمع الفاسد وتجاوزته، ومن المحتمل أن تحذو دول العالم الثالث حذو هذه المجتمعات، إلا أن هذا الاتجاه يهتم بكل ما هو داخلي ومحلي أمام كل ما هو خارجي وعالمي، ويركز على كل ما هو عارض وطارئ أمام كل ما هو نظامي وهيكلي، فضلاً عن الاهتمام ببعض الاعتبارات الثقافية والاجتماعية والنفسية التي تسهم في تفسير انتشار الفساد، كما أن الإسهامات النظرية لعلماء الاجتماع في هذا المدخل تشير إلى استغلال العلم في تدعيم النظام الرأسمالي الإمبريالي وتبرير ممارسته سواء في الداخل حيث تدعم القوى الاجتماعية المسيطرة ومساندتها، أو في الخارج حيث العلاقات غير المتكافئة بين دول المركز ودول المحيط.
ورأت نظرية المبادرة أن الفساد يعد جزءاً من الحسابات العقلانية الرشيدة وأسلوباً ذا جذور عميقة، يستخدمه أصحاب المصالح الاقتصادية المختلفة لاتخاذ قرارات معينة، وهذا الأسلوب يشيع استخدامه في المجتمعات الرخوة من دول العالم النامي، ويشير إلى أن الفساد في المجتمعات الرخوة يسير بشكل مخطط، لأنه أصبح يلقى اعترافاً وقبولاً من غالبية أفراد المجتمع، فلا غرابة إذاً من أن يدخل الفساد في دائرة الحسابات والاحتمالات الرياضية المختلفة لتحقيق أقصى منفعة متوقعة من، العمليات الاقتصادية والسياسية الفاسدة.
ممارسات فاسدة
وتشير النظرية التبعية إلى أن النظام الرأسمالي العالمي يعمل على فساد تطور المجتمعات النامية وتشويهها، من خلال الممارسات الفاسدة التي تفرضها على تلك المجتمعات، والتي تمكنها من تحقيق مصالحها وإحكام سيطرتها السياسية والاقتصادية على تلك المجتمعات، وتأخذ هذه السيطرة العديد من الصور والأساليب منها أسلوب المساعدات الاقتصادية والمالية وتوظيفها بشكل يخدم المصالح الرأسمالية في المقام الأول، وإحباط أية محاولة لتغيير أي وضع في أي بلد، يهدد المصالح الرأسمالية بشكل مباشر فإذا كانت القوى الاقتصادية فى المجتمعات النامية هي التي تشكل أو تحدد طبيعة الدولة بل وتوزيع المنافع السياسية، فإن صفوة القوة السياسية الحاكمة في تلك المجتمعات ليسوا إلاّ مجرد عملاء للسيطرة والهيمنة الأجنبية، وهنا يكمن محور الفساد، حيث يخطط أصحاب المصالح الرأسمالية لاستمرار التخلف الراهن وتكريسه وإعادة إنتاجه، وذلك بمساعدة بعض العناصر الوطنية داخل المجتمعات النامية، وتسعى قوى الإمبريالية إلى منع تبلور مشاعر الجماهير واتجاهاتها وقيامها نحو الوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم، وضد التوجهات والنماذج والمشروعات والأساليب المشوهة التي تحافظ عليه باسم التنمية، هذا بالإضافة إلى الحيلولة دون إدراك التخلف وتفسيره تفسيراً علمياً حقيقياً، ومنع ظهور وتبلور تصورات بديلة لتغير الواقع الاجتماعي والاقتصادي القائم، والعمل بكل الأساليب دون ترجمة الخطط والأساليب العشوائية المرتجلة في التنمية إلى أساليب علمية منظمة في كثير من مجتمعات العالم النامي، وسوف تنطلق الباحثة من هذه النظرية لأنها تشير إلى أن الفساد في المجتمعات النامية ليس فساداً وظيفياً مرتبطاً بأفراد وجماعات معينة بقدر ما هو فساد بنائي يكمن في طبيعة البناء الاجتماعي للدول النامية وفي علاقاتها مع الإمبريالية العالمية.
قراءة - د. مناحي الشيباني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.