تشكل أعالي سفوح المرتفعات الجنوبية الغربية بانحداراتها القاسية إلى أودية تهامة العميقة خاصة في منطقتي الباحةوعسير أماكن رائعة لممارسة الكثير من الرياضات الجبلية الممتعة والقاسية في نفس الوقت ولعل من أهمها رياضة الهايكنج أو ما يسمى بالمشي الجبلي والتي باتت عاملاً مهماً من عوامل الجذب السياحي الصحي المميزة والحديثة في نفس الوقت. ولا شك أن الاهتمام بالرياضة والمشي اليومي بات مطلباً ملحاً في عصرنا الحاضر لا سيما مع تنامي ظاهرة الأمراض المزمنة في مجتمعنا السعودي وعلى رأسها السكري حيث تعد المملكة الرابعة عالمياً في الإصابة بداء العصر أو داء الراحة والخمول والحياة المترفة. وقد كنت قبل أيام في ضيافة أحد مسؤولي رياضة المشي الجبلي الهايكنج في المملكة والعالم العربي سعيد الغامدي الذي أقنعني بحديثه الماتع عن تلك الرياضة واصفاً إياها بأنها رياضة فكرية ونفسية وبدنية واقتنعت مع بعض الزملاء بعمل تجربة لها حيث انطلقنا من متنزه السودة السياحي بمسار يسمى عقبة القرون وهو طريق قدم وضيق لا يتعدى نصف المتر في بعض الأماكن طول المسار حوالي 8 كيلومترات وخطورته ما بين 6 إلى 8 من عشرة وصولاً إلى محافظة رجال ألمع بمنطقة تهامة عسير. والحقيقة أن المسار غاية في الإبهار والإدهاش حيث تحتضنك أشجار العرعر المعمرة بغاباتها البكر المتعددة وأشجار الشث والطلح، والمسار متعرج ما بين الصعود والهبوط الصعب والتعرج المتنوع الماتع تلفك بين الفينة والأخرى موجات الضباب وتتساقط حبات المطر فتفوح رائحة الطين وعبير الغابات تنسيك كل همومك النفسية والصحية. وإن كان هنالك من ملاحظات نسوقها للقائمين على تلك الفعاليات فهو طول المسار وإنهاكه لمن لم يتعود الرياضة مثلي ولولا الله ثم الدعم النفسي من صديقي الإعلامي المرافق معي الأستاذ علي العكاسي لما اكملت الرحلة لجهلنا التام بنهاية المسار والملاحظة الأهم أنه عند وصولك للنهاية تصل إلى قرية تسمى شوكان ولا يوجد هنالك أي وسيلة نقل تعيدك إلى السودة أو حتى أي خدمات للراحة أو لبيع الماء والطعام وكان حظنا كبيراً أن استضافنا أحد أبناء القرية ويسمى علي فايع والذي قدم لنا الماء والشاي بعد رحلة مشي امتدت لخمس ساعات متواصلة من الثالثة عصراً وحتى الثامنة مساء ثم حملنا بمركبته في أودية رجال ألمع وتناولنا طعام العشاء بعد إنهاك غير مسبوق بضيافة الشيخ محمد آل مفرح حتى عدنا إلى نقطة البداية في متنزه السودة الثانية عشرة ليلاً. ولا شك أن هذه الفعالية السياحية والصحية تحتاج إلى مزيد من التنظيم وإلى مرشدين حقيقيين مدربين يقدمون كل المعلومات عن تلك المسارات بالتفصيل وإلى خدمات النقل والإطعام وحتى السكن في خط النهاية وإلى أماكن لبيع مستلزمات تلك الرياضة الجبلية، لا زلنا على بداية الطريق في هذا التوجه الجميل إلا أن الأمل يحدونا كثيراً بتحقيق تلك الآمال والتطلعات. عبدالله مريع