تطورات مفاوضات النصر ضم كينجسلي كومان    42% من السعوديين لا يمارسون عناية ذاتية منتظمة و58% يشعرون بالإهمال العاطفي    استجابة طبية عاجلة تنقذ أربعينية بعد توقف قلبها في الأفلاج    اينيجو مارتينيز صخرة دفاع النصر الجديدة    القادسية يختتم جولته التحضيرية في المملكة المتحدة بتعادل سلبي مع نوتنغهام فورست    جامعة الملك فيصل تعلن تفتح التسجيل الالكتروني في البرامج المدفوعة    الروبوتات التفاعلية تخدم زوار ومشاركي مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم بمكة المكرمة    رئيس بلدية محافظة صبيا يُجري جولة ميدانية لمتابعة مشاريع التنمية والخدمات    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    إنهاء معاناة مقيمة عشرينية باستئصال ورم وعائي نادر من فكها في الخرج    رفض عربي وعالمي لخطة إسرائيل بالاستيلاء على غزة    تحذير أممي من المجاعة وسوء التغذية في الفاشر    اكتشاف قطع فخارية وأدوات حجرية تعود إلى 50 ألف سنة في القرينة بالرياض    روسيا تدين توسيع سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملياتها في قطاع غزة    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 7.9% خلال يونيو 2025    الجزائر تدين المخططات الإسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة    الأمم المتحدة ترحب باتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    فريق بصمة الصحي التطوعي يطلق فعالية «اﻻﺳﺒﻮع اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﺮﺿﺎﻋﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ» بجازان    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    السعودية تحصد لقبها الثاني في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    السفير الصيني: 52 شركة صينية تشارك في معرض الصقور    جامعة الباحة تعلن استحداث القبول للدراسات العليا    الطريق إلى شرق أوسط مزدهر    إيران تضبط 20 مشتبهاً بالتجسس لصالح الموساد    المملكة تعزي في ضحايا انفجار مخلفات الذخائر.. لبنان.. توترات أمنية والجيش يحذر    الشمراني عريساً    «المنافذ الجمركية»: تسجيل 1626 حالة ضبط خلال أسبوع    إحباط تهريب وترويج 419 كجم مخدرات وضبط 14 متورطاً    قبل قمة بوتين وترمب.. زيلينسكي يحذر من استبعاد أوكرانيا    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    تطور المدفوعات الإلكترونية.. السعودية.. تسريع التحول الرقمي والشمول المالي    عزنا بطبعنا    العصرانية وحركة العصر الجديد    «التواصل» السلاح السري للأندية    فدوى عابد تنتهي من «برشامة» وتدخل «السلم والتعبان»    مدل بيست تختتم حفلات الصيف في جدة والرياض    نجاح استمطار السحب لأول مرة في الرياض    دعم إعادة التمويل العقاري    أخضر ناشئي اليد يتأهل لثمن نهائي بطولة العالم    يوتيوبر مغربي يحصل على حقوق نقل دوري روشن    ناتشو: الدوري السعودي بين الأفضل في العالم    ممرضة مزيفة تعالج 4000 مريض دون ترخيص    هيئة الصحة تستهدف وقايتهم من مخاطر السقوط.. 4 منشآت صديقة لكبار السن مع خطة للتوسع    المملكة تعزّي لبنان في وفاة وإصابة عددٍ من أفراد الجيش    «موانئ» تحقق ارتفاعًا بنسبة 12.01% في مُناولة الحاويات خلال يوليو 2025    أسعار النفط تحت وطأة شائعات السلام وحرب التعريفات    الغاز الطبيعي يشهد تحولات عالمية    خطيب المسجد الحرام: تعاونوا على مرضاة الله فهي غاية السعادة    إكرام الضيف خلق أصيل    استمرار الدعم الإغاثي السعودي في سوريا والأردن    تهنئة سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيد وتراجع المدينة
نشر في الرياض يوم 15 - 05 - 2021

من المعروف أن الأعياد كافة في جميع الثقافات طورت تقاليد خاصة بها، وغالبا ما تتداخل هذه التقاليد مع الأمكنة في المدينة وتصبح جزءاً أساسياً من الذاكرة الجمعية، تظهر الإشكالية عندما لا تساند الأمكنة الذاكرة الجمعية المرتبطة بالعيد، وتبدأ هذه الذاكرة بالضعف والتراجع وأحيانا بالاضمحلال مع مرور الوقت..
طالما شعرت بعلاقة وثيقة بين المدينة والعيد، ولا أعلم لماذا أعتبر هذه المناسبة اختبارا ميدانيا لسعة الحياة وتنوعها في الفضاء الحضري؟! ولأني قد نشأت في مدينة قديمة كانت تحتفي بالعيد أيما احتفاء، وكان سكانها يعيشون العيد في الأزقة والبراحات، وكانت مجالسها مفتوحة كأنها مقاهٍ عامة، أقول لأنني عشت في تلك المدينة التي تضج ببهجة العيد والمكتظة بالحياة، لذلك صرت أرى أن العيد -وأنا أكتب هذه المقالة يوم العيد- أصبح يتراجع على مستوى الحياة، وتحول إلى مجرد صورة باردة لحياة حضرية بدأت تتراجع منذ عقود. انتقال الاحتفال بالعيد من الخارج إلى الداخل لا بد أن يكون له أسبابه، فإما أن الناس صارت تفضل العزلة والفردية ولم تعد ترغب في مشاركة الآخرين فرحة العيد، وإما أن الفضاء الحضري نفسه لا يستطيع إتاحة الفرصة للمشاركة الجماعية، أو بمعنى آخر إن عناصر المدينة الخارجية لا تساعد على التفاعل الاجتماعي حتى وإن كانت من الناحية التصميمية والتنفيذية نفذت بشكل مناسب. يبدو أن العيد يمثل حالة نفسية/ اجتماعية غالبا ما تتصادم على فضاءات المدينة، وغالبا لا نكون مستعدين لمثل هذا الصدام.
تنبع هذه العلاقة النفسية العميقة بين العيد كمناسبة تكرارية وبين الفضاء الحضري للمدينة من تطور تقاليد وظيفية، طالما ارتبطت بهذه المناسبة وطالما احتاجت إلى أمكنة كي تتمظهر فيها، وطالما تطلبت مشاركة اجتماعية متنوعة، فمن المعروف أن الأعياد كافة في جميع الثقافات طورت تقاليد خاصة بها، وغالبا ما تتداخل هذه التقاليد مع الأمكنة في المدينة وتصبح جزءاً أساسياً من الذاكرة الجمعية، تظهر الإشكالية عندما لا تساند الأمكنة الذاكرة الجمعية المرتبطة بالعيد، وتبدأ هذه الذاكرة بالضعف والتراجع وأحيانا بالاضمحلال مع مرور الوقت، ويبدو أن هذا ما حدث لدينا خلال العقود الأخيرة، حتى أن أبناءنا لم يعودوا يعرفون معنى العيد المديني الذي تحتفي به المدينة قبل الناس، تآكل الذاكرة هذا يجعل من مدننا تفقد جزءاً من هويتها، إذ يبدو أن الهوية ليس ما نراه فقط بل ما نشعر به، كما أن هذا التآكل يجعل أجزاء كبيرة من المدينة ليست ذات قيمة لدى الجيل الجديد، فيسهل الإساءة لمكونها الحضري واختفاء عناصرها مع مرور الوقت.
خلال الأعوام الأخيرة حاولت أن أبحث عن ذاكرة المدينة، وأهمية ارتباطها بالمناسبات التكرارية -التي تحدث كل عام في التوقيت نفسه-، ووجدت أن المدينة السعودية أو على الأقل أوساطها التاريخية انفصلت عن ذاكرة سكانها، وأن هذا الانفصال يتسع بشدة مع مرور الوقت نتيجة لتراجع ارتباط الأجيال الجديدة بتلك الأوساط المكانية التاريخية وتلاشي التقاليد المرتبطة بها المفاجئ مع عدم القدرة على ابتكار تقاليد جديدة في المناطق الجديدة، أي أن الإحساس بالهوية والانتماء للمكان المرتبط بالممارسة الحياتية في المكان آخذٌ في التراجع بشكل واضح دون أن يكون هناك بديل حقيقي أو تقاليد جديدة حقيقية يمكن أن تعيد الترابط بين الناس ومناسباتهم التكرارية ضمن أمكنة المدينة.
هناك من يعتقد أن الهوية تتحقق في خلق الأمكنة التي تذكرنا بالماضي، ويتناسى أن موقفنا من هذه الأمكنة وكيفية تفاعلنا معها هو الفيصل في ولادة أي هوية، وبالطبع يتركز الصراع بين المادة (المكان) وبين ما يحركه المكان داخل عقولنا وقلوبنا وما يولده من تقاليد اجتماعية تعيد تعريف نمط حياتنا في هذا المكان وتشحذ قدرتنا على خلق تقاليد جديدة تمكننا من تفسير المكان وبناء ذاكرة جديدة له، إحدى القدرات الأساسية التي يتمتع بها الإنسان هي إمكانية خلق التقاليد الجديدة وتطويعها للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الآنية، وإضفاء هذه التقاليد على الممارسات الحياتية في الأمكنة الجديدة، ويبدو أن هناك أمرا ما يعطل هذه القدرة في المدينة السعودية، الأمر الذي جعل كثيراً من المناسبات التكرارية "روتينية" ومنفصلة عن روح المكان.
في اعتقادي أن ملاحظتي حول "العيد والمدينة" -وهي ملاحظة قديمة- جعلتني أثير تساؤلاً مهماً: هل نحن بحاجة أن نصمم أمكنة يمكن أن تشجع الناس على التفاعل معها، وتطوير تقاليد وذاكرة تتراكم وتتطور باستمرار؟ أم أن هناك خللاً ما أصاب أسلوب الحياة للأسرة السعودية جعلها منعزلة من جهة وغير مكترثة بالتفاعل الاجتماعي الواسع ودفعها إلى التقوقع المكاني من جهة أخرى، حتى وإن كانت مظاهر الحياة المعاصرة بدأت تتغير وتدفع الأسرة إلى الخارج أكثر من السابق؟ في واقع الأمر لطالما ترك العيد أثراً عميقاً على فهمنا للمدينة، لكن يبدو أن أسلوب الحياة الاستهلاكي والتخطيط العمراني الطبقي فكك المدينة إلى مجالات مكانية متصادمة غير متناغمة، لا تستطيع بناء تقاليد يمكن أن نقول عنها إنها تقاليد مشتركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.