أجمع عدد من المحللين العسكريين والاستراتيجيين والباحثين الاجتماعين، أن ظاهرة التسلل عبر الحدود الجنوبية مع اليمن تؤرق سكان المناطق المتاخمة للحدود، حيث يمارس هؤلاء المتسللين جرائم متعددة كالسرقات والاعتداءات وتهريب المخدرات والاستطلاع وإرسال الإحداثيات للنقاط المهمة في المملكة للحوثيين لمحاولة ضربها، إلى جانب التسول في الأماكن العامة التي تشوه وجه المملكة الجميل، وهذا الأمر أدخل الخوف في قلوب الأهالي ودفعهم إلى مطالبة الجهات الأمنية بتكثيف الرقابة الحدودية لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم من خطر المتسللين الذين ازدادوا مؤخراً. وتشكل محاولات التسلل إلى المملكة مخاطر متعددة، تبدأ بخطر غرق المتسللين بحراً أثناء عبورهم من السواحل الإفريقية إلى اليمن، وتمر بمحاولات الحوثيين استغلالهم وتجنيدهم للقتال في مختلف الجبهات أو إجبارهم على دفع مبالغ مالية طائلة، وصولاً إلى تعرضهم لمخاطر عبور مناطق العمليات العسكرية النشطة، وخطر تعرضهم للألغام المزروعة بعشوائية من قبل الحوثيين بالقرب من الحدود مع المملكة. إن ارتكاب أي من الأعمال المرتبطة بتسهيل دخول المتسللين أو تنقلهم أو توفير المأوى أو تقديم أي مساعدة أو خدمة لهم يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وتشمل العقوبات المفروضة على المتورطين في تسهيل دخول أو تنقل المتسللين أو توفير المأوى وتقديم أي مساعدة أو خدمة لهم السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على 15 عاماً، وغرامة مالية تصل إلى مليون ريال، ومصادرة المركبة التي تم نقل المتسللين بها، وكذلك المسكن المعد لإيوائهم. أجندات خارجية وأكد اللواء م. قناص آل سوار على أن الجريمة المنظمة أصبحت مستوطنة في اليمن بدءاً من تهريب المخدرات وتهريب السلاح، وتهريب المتسللين عبر الحدود والبحار، والاتجار بالبشر، وكذلك إرسال نقاط مهمة للحوثيين، من قبل عصابات تم تجنيدها في الغرف المظلمة تعمل وفق أجندات خارجية وطائفية استخباراتية، بهدف إشغال المملكة بالمتسللين في اتجاه والقيام بعمليات في اتجاهات أخرى، وهذا المخطط تعيه أجهزة الدولة، مضيفاً أن المتتبع لسيرة الحوثي وطرق حروبه فهو يقوم بتجنيد العصابات وفق مخططات معينة منها "الابتزاز" من خلال القبض على الأب أو الأم أو إحدى الشقيقات، ومن ثم يتم الضغط على أبناء تلك العائلة المغلوب على أمرها بتنفيذ مخطط معين وإلا يتم تصفية الرهائن، لافتاً إلى أن العصابات الحوثية تقوم بعمل ممرات مصائد للمغفلين يزرعون فيها ألغام بهدف استخدام أرواح المتسللين كغطاء لإعلام كاذب وإلصاق أعمالهم القذرة في غيرهم، في الوقت الذي أصبحت المخدرات وبيع الأسلحة مصدر دخل لآلة الحرب الحوثية، مُشدداً على كل مواطن غيور أن يعي أمن الوطن ويتخلى عن العاطفة في توفير المأوى أو العمل أو التستر أو النقل لأي شخص لا يحمل بطاقة عمل نظامية ودفع الأموال للمتسولين. حقوق الإنسان وأوضح اللواء م. آل سوار أن المملكة تلتزم بتطبيق قواعد حقوق الإنسان في التعامل مع المتسللين من خلال توقيفهم في مراكز إيواء مهيأة؛ وتنفذ هيئة حقوق الإنسان زيارات لمراكز الإيواء في جميع مناطق المملكة للتأكد من حصول المتسللين على جميع الخدمات الصحية والرعاية وفق المعايير الدولية، مضيفاً أن عمليات التسلل إلى المملكة ترتبط بمجموعات إجرامية تعمل على حدودها مع اليمن، وتستغل التسلل في تهريب عناصر إجرامية خارجة عن القانون إلى داخل المملكة ما يهدد أمن المملكة الوطني، منوهاً بأن دخول المتسللين إلى المملكة يشكل تحدياً أمنياً خطيراً حيث ثبت تورط أعداد كبيرة منهم في أنشطة إجرامية مثل تهريب السلاح والمواد المخدرة والقتل والسرقة وتنفيذ أعمال تجسسية أو تخريبية تهدد الأمن الوطني، ذاكراً أن التسلل عبر الحدود خطر عالمي تواجهه جميع الدول، ويشكل تهديداً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً، حيث تتخذ جميع الحكومات الإجراءات اللازمة لمنع الدخول غير الشرعي إلى بلدانها. أعداد كبيرة وقال د. محمد مسعود القحطاني -محلل سياسي وعسكري-: إن كثرة تدفق المتسللين عبر الحدود يعود للاضطرابات الأمنية التي تشهدها اليمن، لذلك يشهد الحد الجنوبي الأعداد الكبيرة التي تعبر هذه الحدود بحثاً عن الرزق، وساعدهم في ذلك المناطق الوعرة والتضاريس الصعبة، مضيفاً أن المتسللين يشكلون خطرا على السكان، فهم يعيثون في الأرض فساداً وخوفاً للسكان وبما يحملونه من أسلحة، وأصبحوا يكوّنون عصابات وينفذون عدداً من أعمال النهب والاعتداءات على المواطنين، بالإضافة إلى ما يسببونه من انتشار الأوبئة والأمراض بسبب إهمالهم لأنفسهم وعدم توفر الرعاية الصحية وهم قادمون من القرن الإفريقي التي يكثر فيها الأمراض المعدية، ذاكراً أن أفراد حرس الحدود يقومون بعمل جبار لحماية حدودنا من المتسللين والمهربين، لذلك أدعوهم للمزيد من تكثيف الجهود فهم على ثغرة مهمة وهي حماية الوطن، داعياً إلى ترحيلهم وإبعادهم عن وطننا، وإلى إنزال أشد العقوبات على من يأويهم أو يتستر عليهم أو يساعدهم، مشيراً إلى أن حدود المملكة البرية ذات تضاريس جبلية وصحراوية واسعة وصعبة جداً، مما يهدد حياة المتسللين ويضعف فرص نجاحهم في التسلل، خاصةً في حال تهريبهم عبر الحدود وجبهات القتال. وأضاف أن السلطات السعودية تطبق عقوبات نظامية بحق مخالفي نظام أمن الحدود ولائحته التنفيذية، والتي تحظر على وسائط النقل البرية أو الأشخاص المرور أو التجول في منطقة الحدود إلاّ عبر الطرق والمنافذ الرسمية، كما تحظر على قائدي مركبات النقل البري استقبال أو إنزال الأشخاص أو المواد من المناطق الحدودية. قنبلة موقوتة وتحدث د. محمد الهدلاء -محلل استراتيجي ومستشار في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية والأمن السيبراني ومكافحة التطرف والإرهاب الإلكتروني- قائلاً: إن الهجرة غير النظامية تشكل معضلة أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية، تتباين آثارها من دولة إلى أخرى، ومهما كانت دوافع التسلل أو الهجرة غير الشرعية كما يطلق البعض عليها، إلاّ أن أجهزة الأمن في جميع الدول تقف ضدها بالمرصاد لما لها من تأثيرات خطيرة وهدامة على المجتمعات، مضيفاً أن المملكة من الدول التي تواجه محاولات مستمرة للتسلل غير المشروع إلى أراضيها وذلك لأسباب كثيرة منها، الحدود المترامية سواء كانت برية أو بحرية، ومساحة المملكة الشاسعة والمجاورة للعديد من البلدان، وكثرة النزاعات في المناطق المحيطة خصوصا في القرن الإفريقي، حيث تتسم مناطق الحدود بين اليمن والمملكة بوجود سلاسل جبلية وعرة تسهل عمليات التسلل وتزيد من صعوبة عمليات مطاردة المتسللين إلى أرض الوطن، مشيراً إلى أن ظاهرة التسلل عبر الحدود الجنوبية مع اليمن تعد "قنبلة موقوتة"، لاسيما وأن الحدود الجنوبية بين المملكة واليمن من أكثر المناطق تعقيداً من حيث تضاريسها وجغرافيتها، فهي حدود متداخلة تشبه في تداخلها وتضاريسها بين السهل والوادي والجبل والبحر، وعوامل أخرى كثيرة، حيث باتت ظاهرة التسلل عبر هذه الحدود مشكلة تؤرق المناطق المتاخمة للحدود اليمنية، وخاصة في نجران وجازان وظهران الجنوب بسبب كثرة أعدادهم وتنوع جنسياتهم وذلك من خلال ما يمارسونه من جرائم متعددة كالسرقات والاعتداءات وغيرها، الأمر الذي أدخل الخوف في قلوب الأهالي ودفعهم إلى مطالبة الجهات الأمنية بتكثيف الرقابة الحدودية لحمايتهم وممتلكاتهم من خطر المتسللين الذين ازدادوا أخيراً. عمل جبّار وأوضح د. الهدلاء أن دوريات وأفراد حرس الحدود يقومون بعمل جبّار لحماية حدود وطننا من المتسللين والمهربين، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار وعورة تضاريس المنطقة بالجبال الشاهقة، ويبذلون قصارى جهدهم في القبض على المتسللين تحت متابعة الجهات العليا للتصدي لهؤلاء المتسللين من ذوي الجنسيات المتعددة، وقد ساعد هؤلاء المتسللين المواطن السلبي الذي يمهد الطريق لهم مقابل مبالغ مالية ولا يهمه مصلحة بلده العليا، ولم يدرك أن وطنه يخوض حربا ضد الحوثيين ومليشيات إيران وأذرعها في اليمن، مُشدداً على محاسبة المساعدين ليتم تنفيذ حكم خيانة الوطن بهم، فما يفعلون جريمة بحق الوطن وخيانة كبرى لا يمكن قبولها مهما كانت المبررات لهذه السلبية من هؤلاء المواطنين الجشعين، كاشفاً أن عدد المتسللين عبر الحدود بحسب إحصاءات تجاوز 800 ألف متسلل من جميع الجنسيات، وهذا رقم مخيف جداً يعكس حجم الظاهرة، ورغم أن الكثير من المتسللين يلجؤون إلى استخدام حيل وأساليب خداع مختلفة للتخفي، ومن بينها التنكر في ملابس نسائية، ولبس أحذية إسفنجية لا يظهر أثرها على الأرض، ولبس الحذاء بشكل مقلوب بحيث يظن من يرى الأثر أنه لشخص أو أشخاص خارجين من البلاد وليسوا داخلين إليها، لكن حرس الحدود في المملكة مهيؤون لضبط المتسللين مهما تخفوا لخبراتهم التراكمية في هذا المجال. جدار عازل وذكر د. الهدلاء أن الحل هو بناء جدار عازل كما فعلت الولاياتالمتحدة الأميركية مع حدودها تجاه المكسيك والذي اتخذه "ترامب"، فهذا الجدار العازل مهما كان مكلفا لكنه يعد حلا جذريا وناجحا، مضيفاً أن الفئة الضالة تسعى لاستغلال الطبيعة الجغرافية للحدود السعودية وطولها لمحاولة تهريب الأسلحة والمتفجرات وتمرير عناصرها بعيداً عن أعين رجال الأمن، حيث يسكن غالبية المتسللين في العراء كما يتعاون مواطنون في إيوائهم في بعض العزب المؤجرة -منازل شعبية أو مهجورة- مقابل أجر شهري بسيط يدفعه المجهول قد تكون هذه الشريحة غير مبالية بالقبض والترحيل، وقد تكون مستفيدة منها من مأكل ومشرب وترحيلهم إلى المنفذ دون مبالغ ثم يعود بعد ذلك، وهو ما يعطي مؤشراً إلى أن هذه العملية أصبحت مصدر رزق لهم، موجهاً رسالة لكل مواطن غيور على أمن وطنه ومكتسباته ومدخراته، بالتعاون مع الجهات الأمنية في الإبلاغ عن أي حالة اشتباه أو تسلل والتنسيق مع الجهات الأمنية، فالمواطن مطالب أيضاً بالتعاون في مكافحة التسلل بالإبلاغ عن مجهولي الهوية وعدم التعاون معهم بنقلهم أو إيوائهم أو توظيفهم أو تشجيعهم على التسول. جريمة كبيرة وأكد عبدالرحمن القراش -باحث اجتماعي- على أن التسلل هو إحدى الظواهر العالمية التي تعاني منها المجتمعات، فهو نتيجة طبيعية لعدة عوامل أهمها الفساد السياسي والاقتصادي أو الحروب بأنواعها، فضلاً عمن امتهن ذلك العمل من أجل الاتجار أو تهريب الممنوعات، لذلك يعد من أخطر ما تواجهه الدول المستقرة في حفظ أمنها، وقد عانت المملكة كثيراً من هذا الجُرم المتاخم لحدودها حيث يمارسه بائعو الأحلام سواء من الأفراد أو المنظمات الخارجة عن القانون كالحوثي وأتباعه، مضيفاً أن ما نشهده اليوم من حرب ضروس يخوضها أبطال حرس الحدود السعودي وقواتنا إلاّ خير شاهد على تلك الجريمة التي يحاول أصحابها تمريرها للعمق السعودي لتنفيذ مآربهم، مُشدداً على الجميع الإدراك أن تسهيل عمل تلك المنظمات من قبل الأفراد السعوديين السلبيين أو المساهمة في تهريبهم أو إيوائهم والتستر على عملهم داخل الوطن جريمة كبيرة لا تغتفر، مبيناً أن الهدف السامي من مكافحة التسلل عبر الحدود هو تجنيب البلاد أشكال العمل الاجرامي كافة الذي تتسبب به تلك المنظمات أو الأفراد، فمهما كان هناك من عوز وحاجة إلاّ أن دخولهم بطرق مخالفة للقانون يعد لغما موقوتا ربما ينفجر في أي لحظة في وجه الوطن. ثبت تورط أعداد كبيرة من المتسللين في أنشطة إجرامية