مع تطور عالم التقنية والاتصالات وانتشارها السريع بين جميع فئات المجتمع ولا سيما المراهقين والأطفال، إلاّ أنه من الصعب حمايتهم عندما يستخدمون الشبكة العنكبوتية خاصةً في ظل ظهور التطبيقات المختلفة، إذ أن غالبيتهم يحملون أجهزة ذكية تحتوي على تطبيقات حديثة ومختلفة مما جعلها تُشكل خطراً حقيقاً على الأطفال. واتخذت المملكة سلامة وحماية الطفل على الإنترنت ضمن جهودها لتوقع على اتفاقية إطلاق البرنامج العالمي لحماية وتمكين الأطفال في الأمن السيبراني بالتعاون مع وكالة الأممالمتحدة المتخصصة بالتكنولوجيا والاتصالات، وذلك لمواكبة التطور العالمي في التكنولوجيا ضمن رؤية 2030 وتوجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - والتي تمثلت في مبادرته لحماية الأطفال في العالم السيبراني. ذات أبعاد وقالت د. الجوهرة بنت فهد بن خالد آل سعود - عضو مجلس الشورى ومستشارة بمركز أبحاث الجريمة وأستاذ الطفولة المبكرة المشارك بجامعة الملك سعود -: إن أحد أهداف المملكة في رؤيتها الطموحة 2030 استخدام تقنيات المعلومات وتعزيز البنية التحتية الرقمية، وبناء فضاء سيبراني وطني آمن وموثوق يمكّن النمو والازدهار والابتكار، ويبث روح التنافسية بين أفراد المجتمع، فلو نظرنا إلى اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل 1989م، وإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر من العام نفسه ذكرت المادة 17 من اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل والتي وافقت عليه بشأن حصول الأطفال على المعلومات وحمايتهم من المواد الضارة، ومثل هذا الأمر لا بد أن يكون له تحديات ذات أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية وتقنية، مبينةً أن طفل اليوم هو شاب وفتاة المستقبل الذين سيبنون هذا الوطن، لذا نُشاهد اليوم الدولة - سددها الله - بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين تسخِّر جميع المُمكنات التي تسهم في مواجهة هذه التحديات بعزيمة وإصرار، وذلك لمعرفتهم أن التوسع الكبير في مجال التقنية يستوجب تعزيز الأمن السيبراني لجميع فئات المجتمع، وكذلك بناء قدرات الأطفال وتمكينهم في ثلاثة محاور أساسية تتمثل في الجانب الوجداني والنفسي واستقراره وبناء المواطنة الصالحة كمحور أساسي وركن متين. محتوى تدريبي وأوضحت د. الجوهرة آل سعود أنه يأتي بعد ذلك المحور المعرفي والذي لا يخفى على الجميع أهميته في قيادة الحراك التطوري ورسم مسارات الإبداع والحماية في الوقت نفسه للأطفال، في ضوء الحجم الكبير للمعلومات والبيانات والمعارف وتعدد مصادرها، مضيفةً أن المحور الثالث هو المحور المهاري فالمعرفة يكون لها ثمار متى ما تم التدريب عليها وإتقان المهارات اللازمة من أجل حماية أطفالنا ذاتياً، مبينةً أنه يأتي هذا البرنامج ترجمة للمبادرة التي تبناها ولي العهد المتعلقة بحماية الأطفال في العالم السيبراني، فعلى الرغم من المجالات الواسعة التي يوفرها الواقع الرقمي إلاّ أنه يضم كثيرا من التحديات التي قد تؤثر على السلامة والأمان الرقمي للأطفال مثل الابتزاز أو التنمر أو بعض الاختراقات التي قد تكون لها تأثير يمتد للأسرة ويؤثر على منظومة القيم وقد يعيق الأسرة في عملية التصدي لها، خاصةً أن بعض الآباء والأمهات قد يتركون أطفالهم من دون دراية كاملة بما يعلم أطفالهم إمّا بجهل أو عدم الدراية بمخاطر ذلك، مشيرةً إلى أن هذه المبادرة تستند على أفضل الممارسات العالمية والسياسات والبرامج التي من شأنها تقديم الحماية للأطفال في العالم الرقمي. وأكدت على أنه تحمل هذه المبادرة ثلاث ركائز وأهداف تنفيذية تتمثل أولاً في التشريعات والإجراءات والسياسيات لتسهم في تمكين الطفل، وثانياً بناء قدرات الأطفال المعرفية والمهارية، وثالثاً تعزيز مفهوم الحوار والنقاشات بشكل علمي وإطار منطقي مبني على البراهين والتجارب، كذلك تعتبر هذه المبادرة ذات محتوى تدريبي من خلال إعداد مدربين على مستوى عالمي وتوطين المعرفة في ذلك وبناء أدلة إرشادية وبناء وعي من خلال مضامين تناسب الأطفال بشكل يسهم أكثر فعالية. قدوة ومثال وتحدثت د. فاطمة العقيل - مستشارة في الأمن السيبراني والرئيس التنفيذي لمجموعة سياج التطوعية - قائلةً: تقدّم قيادة المملكة دعماً كبيراً لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، حيث انعكس ذلك على نتائج مؤشر الحكومة الإلكترونية الدولي EGDI الصادر من الأممالمتحدة الذي يضم 139 دولة، وفيه قفزت المملكة إلى تسعة مراكز عالمية في الحكومة الإلكترونية، وقفزت 40 مركزاً عالمياً في المؤشر الفرعي "البنية الرقمية التحتية"، وفي المرتبة الثامنة على مستوى دول مجموعة العشرين، إضافةً الى ذلك فإن المملكة تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في تقنية ال5G بعد الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية والصين، كما احتلت المرتبة العاشرة من ناحية سرعات الإنترنت، ذاكرةً أنه لدعم هذه الإنجازات التقنية، فإن المملكة تسعى لبناء الشراكة مع وكالة المتحدة ITU لإحداث تغيير نوعي يترك أثرا عالميا يسهم في نمو التقنية بطريقة تتواءم مع حماية الفضاء السيبراني وتحديداً فيما يتعلق بالطفل، وهذا النوع من الشركات والمبادرات ليس بغريب عن المملكة، حيث إنها سبّاقة لخلق تغيير إيجابي في الوطن العربي والعالم ككل، لتكون قدوة ومثالاً يحتذى به. عدة رسائل وأوضحت د. فاطمة العقيل أن العمل الجماعي ومشاركة الجهات المحلية والدولية بالتهديدات والمخاطر السيبرانية وكذلك أفضل الإرشادات والممارسات الأمنية يثري التجارب ويجعلها أكثر شمولية، وهذا الجانب مهم جداً في السياق الإنساني لحماية الطفل، حيث إن التقدّم التقني والتطوّر في استخدام التقنية في كافة الأنشطة الحياتية مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وغيرها، حتّم علينا أن نكون على استعداد تام لما قد يظهر من مخاطر سيبرانية مستجدة، خاصةً عندما يصل الأمر لحماية الطفل الذي تتشارك فيه جميع الدول، لنرى اليوم الأممالمتحدة تُشيد بدور المملكة في سباقات عدة أحدها على سبيل المثال التقرير الصادر من الاتحاد الدولي للاتصالات في شهر يوليو 2020، والذي يشير إلى أن المملكة تعد من أنجح الدول في تسخير التقنية لمواجهة تبعات فيروس كورونا، وهذا يدل على أن الإشادة عادة هي نتيجة قراءة العالم الدولي للمبادرات الملموسة التي تقدّمها المملكة، مضيفةً أن مبادرة سمو ولي العهد في حماية الأطفال تحمل في طياتها عدة رسائل للعالم، منها الاهتمام الإنساني بالأطفال وصحتهم الرقمية، وكذلك مشاركة ودعم جميع الدول بالمعلومات والممارسات السيبرانية الصحيحة التي يمكن نقلها وترجمتها لتصل إليهم بلغاتهم ويستفيدون منها بشلك مباشر وفعّال، وهذا جانب مهم من المسؤولية المجتمعية.