احتضنت صالة تجريد بالرياض مساء الثلاثاء الماضي معرض التشكيلي ناصر التركي الذي يحمل عنوان (رسائل) ويضم مجموعة متنوعة من أعمال ناصر القديمة والجديدة، جلها يعرض للمرة الأولى، وهي في مجملها رسائل من السفر إلى النور ورسائل في اتجاهين وعرش الضوء وإشراقات ونيوترون ورسائل لم تقرأ بعد وقد تختلف قراءتها في زمن مختلف. نَسَق تكويني متناغم ومن جهته يسلط محمد السعوي، مستشار وقيم فني، الضوء على رسائل التركي ويقول: (في هذا المعرض يصحبنا ناصر التركي في فضاءات أعماله لنستمتع بنزهة بصريةٍ ماتعة، فنجد أنه أردف بنا إلى رسائله باتجاهين حيث العزف اللوني المميز والجمع بين المتضادات في نَسَقٍ تكويني متناغم وبأسلوبه المعتاد السهل الممتنع مما أضفى علينا الرغبة في الاستزادة لجمال طرحِه الفلسفي فسافر بنا على أكُفِ ثقافته اللونية إلى النور ليثبت لنا تمكنه وتطويعَهُ للمساحة واللون بأداءٍ مُذهِل وريشةٍ تتراقص على سطح لوحتهِ برشاقةٍ متناهية ليثبت لنا أنه يطمح للتربع على عرش الضوء اللوني وذلك من خلال نَهَمِهِ الشغوف بالاستزادة والارتقاء بذائقته الثقافية واللونية وسبر أغوار الممكن واللا ممكن في ميدانه التشكيلي حتى أشرق علينا بعد شوقٍ بإشراقات أعاد لنا فيه متعة التجريدية الغنائية ليثبت أنهُ أحد فرسانها الجادين وذلك من خلال ما شاهدناه عنده من طرحٍ لوني فلسفي جريء). يواصل السعوي حديثه ويضيف: (الفنان ناصر التركي دائما ما يفاجئ المتلقي في معارضه ولعل ذلك كان جلياً في معرضه نيوترون وألوانه الثنائية ومساحاته المُصغَرة المُشِعَةِ بالبهجةِ والحس اللوني العذب والتوظيف الموفق لجميع عناصر العمل الفني). المسافر الكوني وبدوره يقول فاروق يوسف، باحث وناقد فني: (كما لو أن رحلته لم تستغرق إلا وقتا قصيرا لم ير فيه إلا ما كان يرغب في أن يرسمه. ولكنها لم تكن رحلة بين الأشياء والوقائع فقط بل وأيضا بين أساليب النظر التي استطاع من خلالها أن يؤلف عالمه بمفرداته وعناصره التي أضفى عليها طابعا لغزيا كما لو أنه استعارها من العدم. لم يفعل ناصر التركي أكثر من أنه وقف بين الاستعارة وأصولها وهي مصادر مهمة. ولهذا بقي المجهول في مكانه من غير أن نقوى على تفسيره من جهة صلته بشيء نعرفه، لذلك بدت صوره كما لو أنها نتاج لعملية خلق مختبرية اجتهد الفنان في استعمال أدواته من أجل الوصول بها إلى شكلها المثالي، وهو الشكل الذي سيكون بعيد الصلة تماما عن أصله، ولكننا لو أمعنا النظر في رسوم التركي وبالأخص ذات الحجوم الكبيرة لاكتشفنا أن الفنان يسعى إلى إقامة مشهد على غرار المشهد الطبيعي ولكنه ليس صورة عنه ولا هو واحد من تجلياته، لقد وضع الفنان خيال تجربته في خدمة إيقاع الأشياء في انسجامها الكوني وهو في ذلك لا يفرق بين الجزيئة والصحراء الشاسعة. إنه يستمع إلى الأصوات الخفية ليراها حين يرسم). ويؤكد فاروق تفرد ناصر ويضيف: (هذا الرسام يتبع سبلا سرية للوصول إلى معنى الوجود الإنساني، مظهريا يبدو كل شيء في لوحته على دراية بموقعه في نظام محكم، وهو ما يمكن أن يعدنا بجمال نحبه غير أن الفنان يبقي عينه مصوبة في اتجاه تلك الفوضى الجميلة التي تعيشها الأشياء في علاقاتها بدءا من الجزيئة وانتهاء بالكون. ولأن ناصر التركي متمكن من حيلته الفنية مثلما هو متمكن من أدواته الفنية فقد نجح في أن يفجر طاقة العناصر الفنية من داخلها ليكون وفيا لها وهي تعيد صياغة المشاهد الكونية التي شغف بها، لكن بالطريقة التي تنسجم مع رغبته في أن يكون شاهدا يتمتع بلذة النظر إلى ما يحدث أمامه. يرسم التركي تلك المشاهد وهو على يقين من أنها وقعت في زمن ما، زمن كانت لدى الشعر القدرة على إعادة خلق الأشياء). أعتقد أننا سنجد لذة عظيمة ونحن نرافقه في رحلة يغلب عليها الطابع الإيقاعي، فبقدر ما سنرى من صور سنسمع مقطوعات موسيقية وبقدر ما سنلمس من سطوح سيكون علينا أن نشم روائح زكية تهب من مكان مجهول، ذلك المجهول الذي لن يخذلنا بعد تلك الرسائل، إنها تجربة شقية عرف ناصر التركي بنفسه من خلالها مثلما تعرف على متلقيه الذي سيرافقه في رحلته). ناصر التركي