يكثر في الإعلام هذه الأيام الحديث عن ما يصفه المراقبون بآلية "العودة إلى الوضع السابق" أو (سناب باك) والتي تهدف إلى إلزام مجلس الأمن الدولي بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، وهو إجراء غير مسبوق تنوي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب استخدامه قانونياً في خطوة تنذر بالكثير.. كلنا يتذكر أنه وبعد مفاوضات طويلة وشاقة، أبرمت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا والصينوروسيا) وألمانيا، في العام 2015 اتفاقاً مع إيران حيث حمل الاتفاق بنداً يوضح أنه ومقابل التزام طهران بعدم القيام بنشاطات نووية لغايات عسكرية ترفع العقوبات عن طهران، ثم أقر هذا الاتفاق وسمي اتفاق فيينا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ووقتها حصلت إدارة أوباما على بند يسمح لها، في حال أخلت إيران بالاتفاق بإعادة فرض (سناب باك ) كل العقوبات من دون أن تخشى استخدام أي دولة حق النقض (الفيتو) حيث ينص القرار رقم 2231 على أن "أي دولة مشاركة" في اتفاق فيينا يمكنها إبلاغ مجلس الأمن الدولي بشكوى حول "عدم احترام واضح لالتزامات من قبل مشارك آخر"، حتى هذه الساعة لم تقم الولاياتالمتحدة بتفعيل هذه الآلية وبالمقابل هددت إيران العالم كله برد حاسم حال تفعيل الولاياتالمتحدة "آلية الزناد" وذلك بعد تهديد الرئيس دونالد ترمب بتفعيلها للإعادة التلقائية للحظر الدولي ضد إيران، ولكن في حال لم يقتنع المشتكي والذي هو الولاياتالمتحدة بالإيضاحات الواردة من مجلس الأمن والدول التي قد تستخدم الفيتو يحق له -أي ذلك المشتكي- تطبيق مبدأ "سناب باك" من دون موافقة مجلس الأمن، لتعاد جميع العقوبات التي كان أقرها مجلس الأمن على إيران، وفي حال فرض تلك الآلية، تُحث الدول على فحص الشحنات الداخلة والخارجة من إيران وستحصل على تصاريح بمصادرة أي شحنة محظورة، فضلًا عن حظر صادرات النفط والغاز من وإلى إيران وبمعنى آخر وفي حال تطبيق الأممالمتحدة آلية "سناب باك" سيسمح للدول الأعضاء بإعادة تطبيق جميع العقوبات الدولية على إيران من جانب واحد، والتي تم رفعها كجزء من الاتفاق النووي. العالم كله يترقب هذه الأحداث الثقيلة التي حملها شهر آب على منطقة الشرق الأوسط والعالم وليس آخرها انفجار مرفأ بيروت ذلك أنه ومع انتهاء حظر الأسلحة الإيراني بعد نحو شهرين، ستفرض الحكومة الأميركية -دون شك- على إيران تعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب بما في ذلك الأبحاث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يساهم في تلك الأنشطة وكذلك ستمنع إيران من تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، وستعيد الولاياتالمتحدة وغيرها فرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات بهذا الخصوص بل وسيتم حث الدول على فحص الشحنات من وإلى إيران وسيتم منع روسياوالصين من بيع السلاح لإيران، علماً أنه من الممكن أن تفرض عقوبات من خلال الكونغرس على صناعات الأسلحة في الصينوروسيا، وكذلك ستحصل الدول المنخرطة في الالتزام بهذا القرار على تصاريح بمصادرة أي شحنة محظورة بالإضافة إلى حظر صادرات النفط والغاز وكذلك الصادرات غير النفطية مثل البتروكيميائيات، والتي باتت المتنفس الوحيد للاقتصاد الإيراني المتهالك حيث تشهد عملته انهياراً تاريخياً إلى جانب الصناعات المعطلة التي أدت إلى إضرابات واحتجاجات عمالية متواصلة، وكنت قد سمعت خلال مشاركتي عبر تقنية مؤتمر الفيديو بتاريخ 17 يوليو الماضي في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية بمشاركة السيدة مريم رجوي وآلاف القيادات الإيرانية المطالبين بإسقاط الفاشية الدينية الحاكمة في إيران عن حجم التهالك الذي يعيشه نظام الملالي، نصل الآن إلى الموقف المطلوب منا في العالم العربي، وكذلك في لبنان تجاه هذا القرار المرتقب، ذلك أنه من حق الدول العربية والخليجية التصدي للمشروع الإيراني، والوقوف أمام دور طهران التخريبي، والذي تؤديه عبر تصدير ثورة الملالي، كما في أدبياتها السياسية منذ العام 1979، إضافة إلى دعمها بالمال والسلاح لليميلشيات في عدة دول بالإقليم أو في أوروبا والغرب، مما يتطلب اصطفافاً عربياً ودولياً بصورة ضرورية باتجاه الكشف عن مخاطر حصول طهران على أي سلاح، ذلك أن دول الجوار العربي المحاذية لإيران لا ترى أي أمل في حسن نية الجار الإيراني، خصوصاً فيما يتعلق ببرامج التسليح، إذ يخضع لبنان مثلاً منذ عقود لسطوة السلاح الإيراني في يد ميليشيا حزب الله، والذي يهدد بهذا السلاح مستقبل لبنان السياسي وتركيبته الاجتماعية، واليمن كذلك ليس ببعيد حيث الدور الإيراني المشبوه والمليء بالتدخلات التي أخضعت البلاد لسيطرة ميليشيا الحوثي الطائفية المدعومة من إيران للسيطرة على البلاد وسلب السلطة من الحكومة الشرعية، وتهديد البلاد تحت خطر الجوع والأمراض والأوبئة، إضافة إلى جعل البلاد قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تنفذ منها ضربات عسكرية غادرة لدول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية، والإمارات، اللتين تقودان الحلف العسكري العربي ضدها في اليمن لإعادة الشرعية إلى الحكومة المنتخبة، أما في سورية فالمأساة ذاتها إذ تمارس طهران سياسات قمعية، وتطهيراً مذهبياً، لتغيير تركيبة الشعب السوري المذهبية، بالتزامن مع تهجير على أسس مذهبية بشكل ممنهج، خصوصاً بعد التدخل الإيراني في قمع الثورة السورية هناك العام 2011، التي تسببت في مقتل مئات آلاف السوريين وتهجير ملايين منهم، وهذا يقودنا بالطبع إلى احتمالية أن ترد ايران على ذلك القرار بضرب مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة سواء عبر البحر أو البر لكنها كعادتها لن تكون في الصورة المباشرة بل ستلجأ إلى توظيف "وكلائها" في المنطقة لتنفيذ الهجمات ضد الأهداف الأميركية. العالم العربي ودول الشرق الأوسط يجب أن تكون نقطة ارتكاز سياسي في هذه القضية عبر التحرك لدعم الولاياتالمتحدة لإعادة فرض جميع عقوبات الأممالمتحدة على إيران من أجل التوصل إلى حل حقيقي يسهم في إقامة السلام في المنطقة بين كل الأطراف، حل يمنع إيران بداية ونهاية من صنع أسلحة نووية تهدد بها أمن الخليج العربي والمنطقة وإلا فالقضاء على نظام الملالي عبر حرب اقتصادية أو عسكرية.