لا نستطيع تحديد عمر لكل كلمة تكون فيه مؤثرة، ولا يمكن افتراض بقائها من عدمه، ولا توجد دلالات على أن هذه القصائد أو تلك الأبيات أطول عمرا وبقاء في الذاكرة من غيرها أو أقصر وأن الرواة والمتلقين سوف يستقبلونها بكل عناية وترحاب وتعيش معانيها بينهم سنين، سواء كانت جيدة ومضامينها في نظرنا قوية، أو كانت ضعيف بين فيها النقص. فالذي يحكم بقاء البيت من الشعر والقصيدة هو اهتمام المتلقي ودعم شيء من الواقع لها وتوافقها معه، بغض النظر عن جانب القوة والضعف أو الاعجاب منا، خاصة وأننا نعلم أن الذائقة لدى الناس مختلفة لا تحكمها عبر الزمن محددات يمكن الركون إليها ودرجات الذائقة لا حصر لها. فما يعجب فلانا ويستعذبه ويتمسك به لا يعجب الآخر ولا يعنيه، وما من شاعر إلا وعبر عن إحساسه وشعوره دون أن يضع في الاعتبار غير مصداقية التعبير وحسنه، وهو يعلم مسبقا أن لشعره من يتلقاه ولهم رؤيتهم الخاصة. والمتأمل في الشعر يجد الاختلاف الكبير مما لا يخضع لمحدد. فهناك أبيات وقصائد لها حضورها منذ عشرات بل مئات السنين وكأن قائلها بين الحضور لا يزال حيا يقولها، والعكس أيضا تغيب بعض القصائد فور انتهاء الشاعر من قولها، ولا أحد يستطيع الجزم والتأكيد على الأسباب، ولماذا عاشت تلك القصيدة طويلا وتلك ماتت في مهدها وأخرى استكملت عمرها الطبيعي مع صاحبها. ولو أردنا تصنيف الشعر من حيث البقاء وجدنا التالي: * شعر لا يتجاوز سماعه لحظة قوله ثم ينسى. * وشعر يبقى ما دام قائله حيا يردده ويعيده. * وشعر مستقل بنفسه منطلق يرويه الناس بغض النظر عن قائله يبقى ما دام لأغراضه صداها في الواقع. * وشعر لا يختفي من الأذهان ولا يغادر الذاكرة حتى وإن طال الزمن، فهو يحتفظ بنشاطه في عباراته ويستمد حيويته من تناوله للمشترك الإنساني الذي لا بد أن يكون في المجتمع راغب فيه مريد له. يقول الشاعر راشد الخلاوي -رحمه الله-. أشعارنا تجري ثلاث وغيرها سراب ولا يروي سراب لشاربه من قال شعر فيه من يسخط الملا فالشين يا صاحي له النفس شاربه وقد قلت أشعار الملاهي ثلاثة من رأي فكر حل قلبي وجال به شعر يموت وصاحبه حي ما فنى وشعر يعيش بحد ما عاش صاحبه إلى عاد سمرات الليالي تداوله وقبلات أيام كأعياد ساكبة ترى الناس من فج عميق تجي له وتجري مدامعهم والأرواح هايبة فلا مات من هذي بقاياه في الملا لا عاد بالتكرار يثني ثناه به ويازي من الأشعار شعر مذبذب لا الدنيا فاز بها ولا الدين فاز به وأزكاه مما قيل ما كان شافع وما فات ما بين البريات جايبه ويقول الشاعر سعود الردعان: لا شفت ما عفته من الربع الادنين غض النظر عنهم وعوّد خلافي دوّر لهم عذرٍ من يسار ويمين خلك لخملات العزيزين رافي واحذر تبيّن ما جرى بالدواوين يركض بها بين العرب كل هافي ربعك حزامك في وجيه المعادين لو غثرب الما يرجع الماي صافي ونختم بأبيات ذات مضامين لا تختص بوقت محدد ولا تفقد أهميتها حيث يقول الشاعر تركي العريدي: احذر تداني واحدٍ ما يدانيك عيب على الرجال حب الزلايب مالله على حب الرديين حاديك عليك باللي يطلقون النشايب واحذر تذرى في ذرى ما يذريك مارد عن وجهك سموم اللهايب واحذر تراخى لا تنهض معاديك.. النصر عند اللي يمد الوهايب ناصر الحميضي