تثار مؤخراً مخاوف تتعلق بالإدمان وهذه المرة ليس الإدمان على الكحول، أو المخدرات وإنما إدمان الإنترنت، وتحول عمليات تصفح المواقع وخصوصاً التبادلات على مواقع التواصل الاجتماعي لمايشبه غسيل الدماغ الذي يفوق مفعول التنويم المغناطيسي، حيث يرفع المعالجون النفسانيون شعارات التحذير من وقوع الإنسان ضحية لهذا الفايروس والذي يهدد بتحوير الكائن البشري مفاهيمه وقيمه وأولوياته بمالا يمكن التكهن به. إنها عملية هيمنة على الإنسان لاتدع له من لحظة يرجع فيها لنفسه للتأمل والتعمق في مفهوم الحياة، أو على الأقل لحظة يغرق فيها في الصمت الذي هو حيوي للتوازن العاطفي والعقلي للإنسان. هذا الفايروس يسري في العقول ويتحول لما يشبه الكبسولة التي تعزل الإنسان عن واقعه وتنقله لواقع افتراضي، واقع يقلص الآفاق الشاسعة لتتلخص في شاشة هاتف أو كمبيوتر، واقع يعزل نسمات الهواء وتحولات النور والظلال والأصوات ليحصرها في سماعة تنقله لواقع خارج الواقع. وربما يُنظر لصيحات التحذير التي يطلقها المعالجون بصفتها صيحات متخلفة من الماضي ترفض التجديد وتخافه بل وتحاربه، لكن وكما يؤكد "جستين ماكويد Justin McLeod" مؤسس موقع التعارف على الإنترنت "Hinge" بأن الهاتف الذكي لا يختلف عن الكوكايين في الصدمة التي يُحدثها بالدماغ، حيث الإدمان الناتج من مواد كيماوية لا يختلف عن الإدمان السلوكي. لكن الجدير بالذكر أن المحذرين لا ينادون بمقاطعة الهواتف وما تتيحه من الواقع الافتراضي المهيمن وإنما بترشيد الاستعمال، وتقنين الساعات التي يقضيها الفرد داخل شاشة هاتفه، لأن المخاوف تتضخم بشأن دور الإنترنت وكائناته الافتراضية في حياة الفرد، ولعلنا لسنا ببعيدين عن عصر يذكرنا بفيلم الخيال العلمي الأميركي (هي Her) والمنتج 2013، والذي يتناول قصة كاتب يشعر بالوحدة ويقوم بتطوير علاقة خيالية مع نظام تشغيل مصمم ليلبي كل أحلامه واحتياجاته. مثل هذا الاحتمال يوشك أن يكون حقيقة مع ميل فئة من مرتادي الإنترنت لإنشاء علاقات متعددة مع شخصيات إنترنتية وتفضيلها على الشخصية التي تشاركهم اللقمة والتحديات اليومية. مما سيقود لمستقبل من كائنات انعزالية أشبه بكائنات من كواكب غريبة لاصلة لها بمحيطها الأرضي المباشر، وبالنتيجة فإن التوازن هو الغاية في تناولنا لسحر المخترعات الحديثة المتلاحقة.
