أمام التلفزيون وأنت تشاهد المسلسلات الرمضانية يدور في ذهنك تساؤلات عن تقبل النقد وعن الإعداد الأكاديمي لكل أطراف العمل التلفزيوني وعن معايير إجازة الأعمال التلفزيونية، وعن الجدية في الإعداد والحرص على الإضافة الفنية وليس التجارية فقط.. لا يزال التلفزيون يحتفظ بمكانته وجاذبيته وتأثيره.. الخيارات أمام المشاهد كثيرة من حيث القنوات ونوعية البرامج. بالريموت كنترول يمارس المشاهد حريته، ويعبر عن رأيه. في شهر رمضان المبارك يزداد عدد المسلسلات والبرامج الكوميدية والبرامج الحوارية، ويرتفع مستوى التنافس بين القنوات لكسب المشاهد. ما يثير الدهشة أن يشتكي فريق برنامج مرتبط بشهر رمضان من قصر مدة الإعداد لتبرير عدم نجاح البرنامج، وكأن رمضان يأتي فجأة! أسجل هنا بعض الملاحظات والانطباعات: * اتسمت بعض البرامج الحوارية بعدم تقديم الجديد، وأثارت علامات استفهام حول معايير اختيار الضيوف. أما علامة التعجب الكبيرة فهي سعي بعضها نحو الإثارة بطريقة صادمة وكأن الإثارة أصبحت هي الغاية وليس المضمون المفيد! إثارة تأتي من مفهوم خاطئ لحرية التعبير. * تبتعد بعض المسلسلات التلفزيونية الكوميدية عن كوميديا الموقف وتلزم نفسها بكوميديا التهريج. ويتسم الحوار فيها بالسطحية والتكرار وعدم الإضافة الفنية لمشروع درامي متطور. * تصور بعض المسلسلات السعودية المواطن السعودي بطريقة غير مقصودة بأنه إنسان بعيد عن التطور في مظهره وسلوكه ولغته وحتى طريقته في تناول الطعام. تصوره الدراما منبهراً بكل شيء! وخاصة ما يأتي من الخارج. تفعل ذلك لغرض كوميدي! هذا الهدف لا يتحقق لأن الكوميديا المصطنعة جاذبة للاشمئزاز وليس الضحك. * ليس من المنطق أو المتوقع أن تنال المسلسلات الرمضانية أو غير الرمضانية إعجاب الجميع، وليس من المنطق أيضاً أن يخضع التقييم أو النقد لتأثير الشللية. ليس من المنطق المجاملة في النقد، وليس من المنطق أن تكون الملحوظات على منتج تلفزيوني أو غير تلفزيوني مدعاة لتصنيف صاحب الملحوظات بأحد التصنيفات التي لا تزال تلاحقنا وتقيد فكرنا وتعيق تطورنا. حتى التعامل مع نشرات الأخبار السياسية يعرضك للتصنيف رغم أن هذه الأخبار وخاصة التصريحات تطلق أحياناً متناقضة رغم صدورها من مصدر واحد، لغرض بث الحيرة أمام التوقعات والتحليلات. * المسلسلات التلفزيونية بشكل عام مثلما هي المنتجات الفكرية تحمل رسالة معينة تريد إيصالها للمتلقي. أحياناً تكون الوسيلة لإيصال هذه الرسالة هي نقطة الضعف في المنتج. * التعرف على الماضي من خلال الدراما سيصور المجتمع بكل ما فيه. المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان يوجد فيه ممارسات خير وشر. توجد سلوكيات غير أخلاقية وشاذة في أي مجتمع لكن مشاهدتها في التلفزيون تغضب المشاهد! لماذا؟ هذا الغضب يعود في نظري إلى سببين: الأول طريقة الطرح، والثاني عدم الإشارة إلى الجوانب المضيئة والتجارب الإيجابية والجوانب الحضارية والنماذج الرائعة في حياة الأفراد والتي يمكن طرحها بطريقة فنية توصل الرسالة إلى الأجيال الشابة بطريقة غير مباشرة. * رتم بطيء في بعض المسلسلات يمدد الحلقات بمواقف وأحاديث ليس لها علاقة بمسار الأحداث وترابطها. يمكن للمشاهد أن يقفز حلقة ثم يعود للمتابعة في اليوم التالي ويكتشف أنه لم يفته شيء. * الفقر الفني في بعض الأعمال التلفزيونية رغم توفر الإمكانات سبق أن تناوله ممثلون سعوديون شباب عام 2005 ونشر في «الرياض» بعنوان: الدراما التلفزيونية ومسؤولية التلفزيون في عملية تطوير الفن الدرامي السعودي.. في ذلك التقرير أشار المشاركون إلى أهمية وجود معايير فنية صارمة لقبول الأعمال، وأشاروا إلى أن لجنة الرقابة يقتصر عملها على متابعة التجاوزات الأخلاقية والفكرية وهي لا تحكم على العمل من وجهة نظر نقدية. أما لجنة الجودة وهي لجنة كانت موجودة حسب التقرير، وربما لا تزال موجودة لكنها حسب رأي أحد المشاركين تضم غير المتخصصين. أقترح على أصحاب الشأن مراجعة ذلك الموضوع ومقارنته بالوضع الراهن لمعرفة ما تحقق من طموحات لتطوير الدراما التلفزيونية، وهل الملاحظات التي أشار إليها الممثلون الشباب لا تزال قائمة. أمام التلفزيون وأنت تشاهد المسلسلات الرمضانية يدور في ذهنك تساؤلات عن تقبل النقد وعن الإعداد الأكاديمي لكل أطراف العمل التلفزيوني وعن معايير إجازة الأعمال التلفزيونية، وعن الجدية في الإعداد والحرص على الإضافة الفنية وليس التجارية فقط. ومن أهم التساؤلات ما يتعلق بعناوين بعض البرامج والمسلسلات ولماذا اختيار عناوين أجنبية في بلد عربي يعتز بلغته العربية. أمام التلفزيون مشاهد يملك الحرية ليشاهد ما يشاء ويعجب بما يشاء من منطلق: لو اتفقت الأذواق لبارت السلع. في الشاشة أحياناً إثارة بلا مضمون، ومضمون بلا إثارة. وكم من إثارة جاءت على حساب الدين، والجودة، والمنطق.