تحدث الأستاذ الدكتور عزالدين موسى- باحث وخبير استراتيجي سوداني- عن العولمة وقسّمها إلى مرحتلين: الأولى بعد الحرب العالمية حتى انتهاء الحرب الباردة، والثانية: ما بعد الحرب الباردة وحتى الآن، وتحدث عن التواصل والاتصال وأهميته والاستهلاك، وكيف غير مفهوم الاستهلاك في يومنا الحاضر، واقتصاد السوق وانشطار العالم إلى الشمال والجنوب، أو مناطق السلام ومناطق الصراع، التعددية والفقر وأثر المهاجرين على الهوية الوطنية، وصراع مهم بين الشعبوية وبين العولمية.. وذلك في محاضرة ألقاها في مجلس حمد الجاسر الثقافي. وقال الدكتور عزالدين: العولمة هي إفراز لثورة تكنولوجيا الاتصال التي أثرت تأثيرًا بالغًا على الدولة في العالم غير الرأسمالي في نموذج التنمية أمام عالمية اقتصاد السوق، وفي مستقبل الدولة القُطرية باختراق حدودها بسبب سرعة انتقال رؤوس الأموال وحريتها. واكمل: العولمة مرت في مراحل متعددة ومنعرجات شتى صبغتها بصبغتها الغالبة في كل مرحلة حتى ليتبدَّى لك وكأنها مغايرة، مع أنها متصلة، ويمكن اختزالها في مرحلتين رئيسيتين: الأولى من الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، والثانية منه وإلى الآن. فالمرحلة الأولى سعت فيها العولمة إلى تحول كمّي وكيفي في تدويل العالم انطلاقًا من تدويل الاقتصاد، وهو ما يسمى الاقتصاد العالمي، وغدت العولمة أكثر من التبادل التجاري؛ وتصاعدت كل هذه في المرحلة الثانية بانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتقلت دولته إلى دول متعددة فتفكك المعسكر الاشتراكي إلى عدة دول، فلفته العولمة بثوبها وتعاظم ذلك بانتهاء الحرب الباردة، وتفكك دول المعسكر الاشتراكي وسقوط جدار برلين 1989م، واختفاء الاتحاد السوفييتي عام 1991م، وبرزت مرحلة القطب الواحد فأصبحت العولمة ليست تدويل العالم كمًا وكيفًا اقتصاديًا فحسب، بل تدويل سيادة الحضارة الغربية في مرحلتها الأميركية، مؤكداً أن ردة الفعل الشديدة للعولمة في العالم غير الغربي أدت إلى تعاظم وعي الهويات الثقافية والإثنيات وعبّرت عن ذاتها رافضةً للدولة القائمة أو مهددة لوحدتها، فيما عدد من الشعوب احتفظت بهويتها المتميزة، وأقبلت على الثقافة الغربية محتضنة لها مستفيدة منها، مثل الصين واليابان، فلم يتوحد العالم سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا اجتماعيًا، بل حدثت انشطارات متعددة وشهد الغرب نفسه انشطارات، وقامت حركات تسعى لتحقيق ذلك وتنبهت قيادة العولمة إلى هذه الإفرازات المنغصة للعولمة وصفق منظِّروها في دوائر تخطيط السياسة العالمية في طرح نماذج أو خرائط مستقبلية لإعادة تشكيل العالم، فمنهم من قال بانشطار العالم إلى ثنائية تضادية مناطق سلام هي الغرب واليابان ومناطق اضطراب هي في بقية العالم، أو ثنائية الدول الغنية والدول الفقيرة، وعادةً يرمز إليها بثنائية الشمال والجنوب. ومنهم من قال بتعدد الحضارات المعادية لحضارة العولمة وأبرزها الحضارتان الإسلامية والصينية. وقال المحاضر إن من أخطر إفرازات العولمة ضاعفت الفوارق الاجتماعية، وكما تؤكد تقارير منظمة العمل الدولية أن ما يربو على مليار شخص عاطلون عن العمل، فضلاً عن القوى العاملة غير المنتجة، وهي ما نسميها العمالة المقنعة، وكذلك الحال مع من يعيشون تحت خط الفقر أو من يعانون من سوء التغذية المزمن وعلاوة على ذلك فإن الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة مهيمنة ومتحكمة على ثلاثة أرباع الأنشطة الاقتصادية في العالم، أضف إلى ذلك التنامي الملحوظ لتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والتعدي على البيئة، وقال: بأن هذا لا يعني أن العولمة لم تأتِ بخير، فقد ارتفع حوالي بليون شخص من حد الفقر وفقًا لتقارير برامج التنمية البشرية، كما أن التقنية توفر وظائف جديدة، ولكن أيضاً تغلق وظائف غير يسيرة، ففي عام 1970 فقد حوالي 40 % في الولاياتالمتحدة لوظائفهم، كما أن تزايد الهجرة التي وفرت عمالة برواتب أقل مما يقبل به المواطن الأصلي.