لا يقاس تقدم الشعوب والدول بالعدد أو المساحات الجغرافية، ولا حتى بما تحتويه البلاد من ثروات، أو كنوز مادية، إنما يقاس من خلال ما تفعله بأيدي أبنائها وقدرتهم على العطاء والنهوض بالبناء الحضاري، وعلى تغيير الواقع وتنميته، وتحويله إلى الأفضل دائماً، فضلاً عن مراكمة الثروات التي تعدّ وسيلة ضروريّة لتنفيذ المشروعات التّنموية، وإظهار المنجزات على أرض الواقع. وأعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أن يكون عام 2018 يحمل شعار "عام زايد" ليكون مناسبة وطنية تقام فيه الاحتفالات بالقائد المؤسس لدولة الإمارات، وبمناسبة مئة عام على ذكرى ميلاده، وإبراز دور المغفور له في بناء الدولة وإنجازاتها الحضارية. ولما تشهده الإمارات من تقدم وازدهار، يجب التذكير أن أي مسيرة بناء حضارية، مهما كان شأنها لابد من أن يسبقها إعداد أخلاقي ووطني وثقافي مميز، يضع المصلحة الوطنية في مقدمة الاهتمامات، لأن أي ظاهرة فساد في المجتمع، من شأنها إن لم تعالج، أن تنتشر في جميع أنحاء المجتمع، كانتشار الخلايا السرطانية في الجسد. لذا فإن أي عملية بناء حضاري يجب أن يسبقها إعداد للأجيال التي سيناط بها هذا البناء وتعزيزه، وهو أمر يميز في الواقع التجارب الناجحة عبر التاريخ، والتي استطاع أصحابها تحقيق إنجازات حضارية مهمة ومؤثرة في بناء مستقبل الشعوب. واستطاعت هذه الدولة الفتية بفضل رؤية قيادتها الحكيمة، منذ اللحظات الأولى لقيامها، أن تؤسس لمشروع نهضوي ناجح، استمد قوته من فكر ومواقف المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي تحتفل بذكراه دولة الإمارات هذه الأيام. فخلال حيز زمني قصير تمكنت الدولة من أن تحول الإمارات المتنازعة الغارقة في الفقر والتخلف، خلال أقل من نصف قرن من الزمن، إلى أيقونة حقيقية للحضارة ودولة عصرية متماسكة، نمت فيها روح المواطنة الأصيلة، وترعرعت في ربوعها قيم العروبة والحضارة والمبادئ الوطنية والقومية، وانتقلت من مرحلة الكتاتيب إلى مرحلة استضافة أكبر جامعات العالم والمعاهد ومراكز الأبحاث العلمية العالمية والوطنية الشهيرة، لتنشئ جيلاً معطاءً قادراً على مواجهة المستقبل، على أسس علمية حديثة ومتينة. ففي هذه التجربة، يمكن الحديث عن تغيير حضاري جوهري، يقوم على أسس نظريّة وعمليّة لا نبالغ إن قلنا: إنها تمثل حالة استثنائية. مبرهنة بشكل لا يقبل الجدل أن التّغيير الحضاري ليس مجرّد أفكار وشعارات براقة بل هي عملية متناسقة ومتكاملة في جوهرها تغيير الإنسان، الذي يعتبر في أي عملية حضارية، رأس المال الأول والأهم لأي مشروع حضاري كبير. وواصل قادة الإمارات حمل رسالة الآباء واستكملوا المسيرة، فهذا الأمر ليس بجديد على فكر القيادة الإماراتية، فقد غرس مؤسس الدولة ثقافة العمل والعطاء، والسعي إلى التغيير نحو الأفضل دائماً. ولو نظرنا إلى الإمارات اليوم لوجدنا أن القيادة الإماراتية الحالية، إنما هي استمرار لهذه الروح الوثابة التي لا تعرف الكسل ولا التواكل، وإنما تؤمن أشد الإيمان بقدرة الشعوب المعطاءة على التغيير.