طُرحت خلال الأيام الماضية العديد من الاقتراحات التي تتضمن اعتراضاً ضمنياً على منح الشعراء ملايين الريالات في (جائزة الملك عبد العزيز للأدب الشعبي)، فقد اقترح بعض مُلاك الإبل إضافة هذه الملايين إلى الجوائز المخصصة لهم لأن المهرجان خاص بالإبل ولأنهم يبذلون جهداً كبيراً يفوق جهد الشعراء المحدود، واقترح آخرون ممن لا يحبون الشعر الشعبي ولا يتذوقونه أن يُدعم "البحث العلمي" بملايين الجائزة لأن ذلك سيكون أجدى وأكثر نفعاً من نفع الشعر، أما شعراء الفصحى فقد اقترحوا أن يكون لهم نصيب في الجائزة لأنهم يكتبون بلغة عربية سليمة ويستطيعون إبداع ما يعجز الشاعر الشعبي عن إبداعه. ولا يُمكن أبداً أن نستغرب مثل هذه الاقتراحات، أو الاعتراضات على تقدير الشعراء وتقدير مواهبهم وإبداعهم، فدائماً ما يوجد أشخاص يعترضون على مكافأة الشعراء بذرائع مختلفة ويرون أنهم غير جديرين بالعطاء، ومن ذلك ما روي عن عبدالله بن جعفر عندما مدحه نصيب بن رباح، فقد أمر لنصيب "بمال كثير وكسوة ورواحل؛ فقيل له: أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود؟ قال: أما لئن كان عبداً إن شعره فيّ لحرّ؛ ولئن كان أسود إنّ ثناءه لأبيض، وإنما أخذ مالاً يفنى وثياباً تبلى، وأعطى مديحاً يُروى وثناءً يبقى". وكما كان هناك أشخاص يقدّرون قيمة الشعر والإبداع في الماضي، فمن الرائع أن توجد في أيامنا هذه جهات تكرّم الشعراء الموهوبين وتشجعهم كما فعلت إدارة (مهرجان الملك عبد العزيز للإبل) وكما تفعل جهات قليلة غيرها، ومن الرائع أيضاً أن يمنح الشاعر الجوائز ويكرّم لا خوفاً منه ومن سلاطة لسانه، ولكن تقديراً لحجم الموهبة التي يمتلكها، وتشجيعاً له على تنميتها واستثمارها بشكل أفضل، ومن المؤكد أن هذا التقدير من شأنه أن يُقلّل من استخدام العبارة المجازية التي تقول: "اقطعوا لسان الشاعر"، وهي عبارة كانت تستخدم في الماضي لطلب إكرام الشاعر بدافع اتقاء شر لسانه ولشراء سكوته عن الهجاء لا بدافع التقدير والإعجاب بإبداعه!. إضافة إلى قطع ألسنة الشعراء عن (الهجاء)، ربما يكون لهذه الجوائز دور في حفظ مكانة الشعراء المبدعين وقطع ألسنتهم أيضاً عن الإسراف في غرض (المدح)، وهو الغرض الذي شُوّه وصار يُنظر إليه هذه الأيام على أنّه أسلوبٌ من أوضح أساليب التسوّل والتذلّل للممدوحين.