يدخل جميع طلاب وطالبات المملكة خلال هذه الفترة أصعب الفترات التي يحسب لها ألف حساب، حيث تبدأ حالة استنفار في المنازل استعدادا للاختبارات الدراسية وتستعد الأسر لموجة قلق كبيرة في المنزل كاستعدادها لموجة مطر عاصفة، إلاّ أن ذلك الاستنفار والقلق في محيط البيوت وبرعاية الأسرة كان في الماضي، حينما كان للاختبارات هيبتها، وحينما كنا نشاهد الشوارع في فترة الاختبارات فارغة والمطاعم وأماكن الترفيه تشح من فئة الشباب والعوائل بخلاف ما يحدث في الوقت الحالي والراهن، حيث كانت فترة الاختبارات تشهد خوفا ورهبة من فكرة وضع ورقة الاختبارات التي تعج بالأسئلة الطويلة على طاولة الطلاب في الفصل، ومازلت أستطيع أن أشم حتى الآن رائحة قلم الرصاص وحدة طرف المسطرة الشفافة بيدي والممحاة، كنّا في السابق قبل الاختبارات بيوم نتشاجر كإخوة في البيت على توزيع الغرف التي نختارها للمذاكرة، ولم يكن يبقى أي مكان فحتى المساحة الخارجية من المنزل تحتل في فترة الاختبارات، كان هناك انقطاع كبير لتيار الكهرباء الموصل للتلفاز برغم قلة عدد القنوات الفضائية، وكان هناك مصادرة للهاتف الأرضي على الرغم من أنه لم يكن يرن إلاّ للضرورة، وكانت الأمهات حينما يخرجن من المنزل يعدن مبكراً لأنهن يتفهمن ماذا تعني الاختبارات. جرس المدرسة في السابق كان صباح اليوم الأول من الاختبارات لجميع الصفوف المدرسية يخلق حالة من الفزع أشبه بحالة ولادة مستقبل جديد، فهناك تأهب لجرس المدرسة الذي سيعلن بداية أول اختبار في الجدول الأسبوعي الأول، وحينما كان يرن تصرخ جميع طالبات المدرسة صرخة موحدة وكأن هناك اتفاق على تلك الرهبة التي كنا نشعر بها، أمّا اليوم فاختلف الوضع كثيراً وأصبح الاختبار لا يتعدى كونه ورقة تقدم للطالب، فإما أن يجتاز أو أن يجتاز أيضاً، فشاء أم لم يشأ فإنه سوف يجتاز الاختبار رغم أنفه، حتى أصبح الطالب يدرك ذلك مسبقاً فالكتب المنهجية القديمة تلك التي كانت تعج بالشخبطة والتحديد على أسطرها لفرط المذاكرة والحفظ بها أصبحت بيضاء وفارغة، وكأنها كتب تسلم للطالب جديدة، وأصبحت قاعة الاختبارات مجرد فصل تبعد فيه المقاعد لتأتي ورقة اختبارات شهية مختارة من ذلك التعليم الضعيف المسبق من قبل المعلم، أمّا الأسرة وخاصة الأم فاليوم أصبحت لدينا الأم العصرية التي تخرج لتلتقي صديقاتها في المقهى من منطلق ضرورة استشعار الأبناء مسؤوليتهم في خوض الاختبار، فتلك مشكلتهم وليست مشكلتها وذلك هو أسلوب التربية الحديث من وجهة نظرها، فما الذي جرى للاختبارات بعد هذه السنوات التي مضت؟، ولماذا أصبحنا نشاهد الشوارع والمطاعم والمقاهي والأسواق تزدحم بالناس والعوائل والطلاب وكأن الاختبارات انتهت قبل أن تبدأ؟، هل المشكلة في الطالب الذي اعتاد على السرعة في كل شيء حتى في تلقيه لفكرة الاختبار؟، أم في المعلم الذي سأم العملية التعليمية مع جيل أصبح غير قابل للضبط؟، أم في المدرسة التي كانت ضحية الطريقة والأسلوب التربوي والتعليمي؟ إصلاح كبير يقول د. فهد الحبيب -أستاذ سياسة التعليم والإدارة بجامعة الملك سعود-: إنه مازال مناخ التعليم بشكل عام والمناخ المؤسسي بشكل خاص بمستوياتها المختلفة العليا والوسطى والإجرائية بحاجة إلى إصلاح كبير منهجي وإداري، وهذا الإصلاح لابد أن يتخذ المستويات المختلفة للتخطيط طويل المدى والمتوسط والقصير، بالإضافة إلى التخطيط الإستراتيجي الذي لا غنى عنه، ويجب أن يكون الإصلاح مباشرا وشاملا لكل جوانبه العملية والتعليمية، فلا يتم التركيز على جانب وترك الآخر أو تغليب جانب على حساب جانب آخر، مضيفاً أن العملية التعليمية تتضمن الإدارة، المعلمين، المنهج الصفي واللاصفي، المبنى، التلاميذ واحتياجاتهم وفروقهم وسلوكياتهم وتطلعاتهم وغير ذلك، وأولياء الأمور، كل هذه الجوانب والاهتمام بها أو التقصير تجاهها له تأثير مباشر بالتحصيل والدافعية وبالتالي عملية الاختبارات، مبيناً أن العلاقة عكسية حيث كلما كانت هذه الجوانب سليمة والعملية التعليمية فعالة والمناخ صحي كلما كانت الاختبارات تسير في اتجاهها الصحيح حيث أنها في هذه الحالة تقيس وضعا مناسبا لما عاش فيه الطالب وحصل عليه والعكس صحيح. فكر عملي وشدّد د.الحبيب على ضرورة الأخذ في الاعتبار سياسية التعليم وأهدافها والعمل بفكر عملي غير تقليدي لتحقيقها؛ لأن أهداف سياسة التعليم منبثقة وتحت مظلة الأهداف العامة لسياسة الدولة وأهداف سياسة الدولة تدور حول تنمية المجتمع من جميع جوانبه، والفرد المواطن هو جوهر هذه التنمية لذا فإن التعليم هو الأساس الذي يجب أن يتم التركيز عليه والاهتمام به بشكل عملي منهجي، ويجب أن يعاد النظر في سياسة الاختبارات ومنهجها وخططها وتنظيمها وفقاً للنظرة الصحيحة للتعليم والإيمان به أنه العامل الرئيسي لتقدم أي أمّة وليس فقط شعارات، مبيناً أنه لا مانع من الاستفادة من تجارب نظم تعليمية أخرى متقدمة وأثبتت نجاحها في تعليمها وسياسات اختباراتها. غياب الجدية بدوره أوضح د.عيد العنزي- أستاذ مساعد بكلية الخدمة الاجتماعية وكيل كلية إدارة الأعمال للشؤون الأكاديمية بحوطة بني تميم- بأن لطريقة الحياة التي تغيرت انعكاساً ملحوظاً على طريقة التعليم الذي تغير أيضا، فلم يعد التعليم بالجدية السابقة وذلك ما جعل لدينا نتاج من الطلاب غير جاديين حتى في الاختبارات، ففي السابق كانت هناك جدية عالية لدى المعلم والإدارة ووزارة التعليم، أمّا الآن فتلك الجدية لم تعد موجودة على مستوى المدارس وأقرب مثال لذلك التسيب الذي يحدث قبل الإجازات وبعد الإجازات في الدوام من المعلمين فأصبح الطالب ضحية، فهنا يجب أن لا نلقي اللوم على الطالب لأنه نتيجة متوقعة للضعف العام للتعليم سواء كان ذلك الضعف في الضبط أوفي وجود القدوة الحسنة والجدية، موضحاً بأن المعلم اليوم أصبح يقدم رسائل للطالب تنقل إليه بأن لا يكون جدياً، فالطالب الذي يحضر في الصف قبل الإجازة، فإن المعلم يأتي كسولاً ولا يحضر ويقول: "لن أشرح وعددكم قليل في الفصل"، وكأنه يكافئ الطالب الغائب لغيابه فأصبح الطالب المجد يعاقب، حتى أصبح ذلك جميعاً نتاج الضعف العام في التعليم ولدى المعلم والإدارات والمناهج التي لم تعد تؤخذ بجدية في طريقة تدريسها. نتاج ضعيف وتأسف د.العنزي على أنه لم يعد هناك هيبة ولا رهبة من الاختبارات، فطلاب الجامعة لم يعودوا يشعروا بهيبة الاختبارات؛ لأنهم نتاج التعليم العام، فالسوء ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، فطلاب الجامعة اعتادوا على عدم الجدية في التعليم العام وانتقل ذلك لديهم إلى المرحلة الجامعية فأصبح هناك اللامبالاة وعدم القلق ولا جدية أمام الاختبارات، حتى أصبح المستوى ضعيفا للطلاب والطالبات، مضيفاً أن هناك نتاجا ضعيفا للمعلم والمدرسة وضعفا لوزارة التعليم التي لم تعد تعاقب المعلم فنحن اليوم لم نعد نعاقب المعلم بالفصل ولم نستبدل ذلك بعقوبة رادعة، فحينما تم استبدال العقوبة لم توجد البديلة، فعلى سبيل المثال في السابق تم منع استخدام أسلوب الضرب من قبل المعلم للطالب ولكن لم يوجد الأسلوب البديل والسليم في العقاب، حتى ضعف التعليم وتداخلت الأدوار وأصبح الطالب يتعدى على المعلم، والطالب يلعب دور المعلم ويعاقبه، ذاكراً أن أسلوب استذكار الطالب في الاختبارات أصبح يعتمد على السرعة، وذلك يعود إلى ضعف المعلم الذي أصبح لا يعطي الطالب الكمية الكبيرة في المادة العلمية فأصبح يتنازل ويعطي الطالب منهجا مبسطا حتى يسد ضعفه كمعلم، مشيراً إلى أنه لم يعد للمعلم استعداد للعطاء بخلاف السابق الذي كان يقدم المعلم فيها مادة دسمة فأصبح يداري ضعفه بقلة واختصار المنهج. نحتاج لإعادة النظر في أسلوب الاختبارات الدراسية د.فهد الحبيب د.عيد العنزي