أجمع موظفون وباحثون على أن القسم الوظيفي هو الخطوة الأولى لمكافحة الفساد والكسب غير المشروع، وهو وقائي وليس تشكيكيا كما يظن البعض، مشددين على أهمية إدراجه كمتطلب أساس ضمن إجراءات التعيين لاسيما في الوظائف القيادية والإشرافية والميدانية وما يمس منها المال العام من مناقصات ومشروعات ومشتريات ومستودعات وغيرها، وأن تكون ألفاظه موائمة لطبيعة العمل ومؤثرة تزيد من الرقابة الذاتية للموظف وتشكل درعاً واقياً لحمايته من خيانة الأمانة كلما استذلته نفسه الأمارة بالسوء أو وسوس له النفعي غائب الضمير. وأكد المختصون أن الضعف في بعض الأنظمة التي يتعامل معها الموظفون بشكل عام جعل بعض المظاهر المخلة بالأمانة تبرز على السطح كالرشوة وإغراق الأسواق بالبضائع المغشوشة وتعثر المشروعات، وكذلك تضاعف أعداد العمالة غير المؤهلة وضياع الحقوق وتدني مستوى الصحة العامة وانحسار الفرص الوظيفية وغير ذلك من مظاهر سلبية تستهدف البناء والتطور ومستقبل الأجيال، وتدفع بالمجتمع نحو هوّة سحيقة لا يعلم مداها إلاّ الله.. والسؤال المهم متى يلزم المدنيون بأداء القسم أسوة بالعسكريين؟ محفز للأمانة وأكد بندر الصاعدي - موظف موارد ذاتية - على أن القسم الوظيفي له مدى أبعد من خشية المخالفة إلى الإجلال والمهابة والخوف من رقابة الله عز وجل له، وأداؤه محفز فاعل على الأمانة والبعد عن أي مظهر من مظاهر الفساد، وقد تناقلت قديماً كتب التاريخ شواهد لأداء القسم كإرث سياسي وتنظيمي ومنها ما ذكر في العهد العباسي من أداء الجند للقسم بين يدي خلفاء الدولة العباسية، وهذا دليل على أنه من مقتضيات السياسة الشرعية، مُشدداً على أهمية أداء القسم كمحفز لمزيد من استشعار المسؤولية تجاه ما أؤتمن عليه الموظف ولأن طبيعة بعض الأعمال تقتضي الكشف عن الخلل وتوثيقه والتحقيق فيه، ومراقبة الخطأ قبل أن يقع من خلال التأكد من الإجراءات وتطبيق الأنظمة والاهتمام بتفاصيل رقابة الأداء والالتزام، مشيراً إلى أن المراقب مثلاً يمثّل الجهة التي يعمل بها فيجب عليه أن يطبّق النظام وألاّ يحاول الالتفاف عليه أو تقديم تنازلات طمعاً في رشوة أو منفعة خاصة. وأضاف أن أداء القسم يُعد ميثاق شرف وظيفي وأخلاقي تدعو الحاجة اليوم إلى ضرورة تطبيقه على كل شخص أنيطت به مهمة كشف التجاوزات، كما يجب تفعيل دور الرقابة والمحاسبة بشكل مضاعف من خلال إعطاء المحسن حقه وتأديب المقصّر واستشعار الموظف للأمانة التي أوكلت إليه من خلال رقابته الذاتية التي تدفعه لجودة الأداء مستحضرا في كل آن وحين مراقبة الله له في جميع أعماله وأفعاله ومحاسبته عليها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون". استيقاظ الضمير ودعا فهد الجهني - باحث تربوي - إلى أن يرتبط القسم الوظيفي بجميع المهن دون تخصيص، وألاّ يكون مقتصراً على الموظفين في الجهات ذات العلاقة بالقضايا والرقابة أو ما يتعلق بالمال العام، وعند الحديث عن قطاع كالتعليم نجد أنه من الضرورة بمكان أن يشمل ذلك جميع العاملين في هذا القطاع، فالمعلم يجب أن يقدم رسالته التعليمية والتربوية بكل أمانة وبما يتوافق مع أهداف تطلعات وزارته، وأبناء الوطن هم جيل اليوم وأمل الغد ومخرجات العطاء تجاه الأبناء لا بد أن يظهر أثرها في بناء الأجيال وحسن تعليمهم وتثقيفهم وتزويدهم بالعلم النافع، وما يحدث بين الحين والآخر من تراجع أو إخفاق في أداء المعلم لرسالته التعليمية يتطلب وقفة صادقة وتكثيف رفع كفاياته للحد من جوانب القصور ومعالجة التراجع بالبدائل المناسبة ويأتي في مقدمتها برامج الرعاية والتأهيل ويشمل ذلك أداء القسم الوظيفي ومن ثم محاسبته عند التقصير في الأداء الوظيفي كونه جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية ومحورا أساسا لانتظامها، مبيناً أن قيادة المدرسة كذلك مسؤولة عن تطبيق النظام بحقه في حال القصور دون محاباة أو مجاملة، ويمتد ذلك للمشرفين، والمكاتب التعليمية والإدارات بل الوزارة نفسها التي يجب على العاملين بها أن يحذوا نفس الحذو بالقسم على أداء الأمانة الموكلة لهم كما نصت عليه الأنظمة وتشريعات العمل، وعند ذلك يستيقظ ضمير المتقاعس، ويتحرك المتخاذل الذي يحاول إيجاد مبررات هزيلة لنفسه يتوارى فيها عن أداء مهامه وواجباته بل ورسالته السامية التي خص الله عز وجل فيها الأنبياء والرسل. مطلب مُلح وقال عبدالغني القش - أكاديمي وتربوي -: لا يشك أحد أن المهن تختلف في طبيعتها وتتفاوت في قيمتها وتتباين في رسالتها، وكل مهنة لها متطلبات وتبعات مما يجعل بعضها يفوق الآخر في حساسيته والتعاطي مع من يتعامل معه، ومن هنا فإن الحاجة إلى ميثاق شرف لكل مهنة بات ملحاً، والمرجو أن يحوي هذا الميثاق على أداء قسم يؤديه كل من ينتمي لها فيكون حينئذ مدعاة للتمسك بما ورد في ذلك الميثاق من بنود يقسم عليها الجميع من باب أدائها بالشكل النموذجي بكل ما تعنيه الكلمة، ولعل المتابع يشاهد القسم الذي يؤديه أصحاب المعالي الوزراء ومن في حكمهم وكذلك العسكريون الخريجون على اختلاف تخصصاتهم وكلياتهم، وهو ما يجعلنا نطالب بأداء القسم للكل وبخاصة تلك المتعلقة بالذمة المالية وما يتبعها وما فيها من أدبيات تتعلق به كافة شرائح المجتمع وفئاته. وأضاف أن أداء القسم أمر في غاية الأهمية فالموظف عندما تغلبه نفسه أو شيطانه يتذكر حينها ذلك اليمين الذي أقسمه، وإن كان يتوجب عليه أن يؤدي وظيفته بما تمليه عليه أحكام الشرع المطهر وتعليمات الدين الحنيف ثم ما تملي عليه أدبيات المهنة في التعامل مع الآخرين، لكن النفس تضعف والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، لافتاً إلى أن أداء القسم بات مطلباً ملحاً في أيامنا هذه، خاصةً مع ضعف الوازع الديني وكثرة المغريات والضغوطات ومتطلبات الحياة، وإن كنا لا نبرر لذلك الضعف ولا نلتفت لكثرة المغريات والضغوطات ولكنها في نهاية الأمر النفس البشرية التي جبلت على الخطأ ففي الحديث: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". مظاهر سلبية وأشار القش إلى ما يلاحظ من الضعف في بعض الأنظمة التي يتعامل معها الموظفون بشكل عام مما يجعل بعض المظاهر ربما تظهر في زماننا كالرشوة وغيرها وإن سميت بغير اسمها فهي في النهاية مظاهر سلبية ربما تؤدي بالمجتمع إلى هوة سحيقة لا يعلم مداها إلى الله، ويأت بعد ذلك من يطالب بتغليظ العقوبة على من يعدون ضمن من خانوا أوطانهم وباعوا ضمائرهم، وإن كنا نؤيدهم في ذلك لكن نرجو معالجة الأمر من أصله وأساسه بفرض اليمين على كل من يتسنم مهاماً وظيفية أياً كانت تلك الوظيفة، مناشداً جميع من يقوم على عملية التوظيف بإلزام كل من ينتمي لمهنة أن يؤدي القسم كشرط قبل أن يمارسها، وأن يكون ذلك شرطاً من شروط القيام بها فالعسكري والطبيب والمهندس والمعلم والمالي جميعهم يفترض أن يكون لهم ميثاق شرف وأداء القسم كشرط أساس للممارسة المهنية، مؤكداً على العامل الإيجابي والانعكاس المتوقع على الأداء، فالموظف المسلم يدرك أهمية ومكانة القسم وأنه سيحاسب عليه أمام ملك الملوك الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يتصور أن يكون هناك ضير من فرض القسم على كل العاملين وبخاصة من تمس أعمالهم المجتمع ويترتب على الإخلال بها ضرر يمس أبناء الوطن ويؤدي إلى المساس باقتصاده وأموره المالية، متمنيا أن تتخذ وزارة الخدمة المدنية قرارا بفرض القسم عند استلام كل وظيفة مدنية. مكافحة الفساد وشدّد د. سليمان الرومي - الأستاذ بالجامعة الإسلامية - على أن أداء القسم الوظيفي عند بداية الالتحاق في الوظيفة يزيد من استحضار الأمانة في العمل ومراقبة الله جل وعلا فيما يسند إلى الموظف من مهام وكذلك التأكيد عليه بأن أداءه لعمله على الوجه المطلوب يدخل في باب الحسبة وهو من صميم اختصاصاتها، ولذا فإنه بالإضافة إلى الأجر المادي الذي سيحصل عليه في عمله سيظفر بالأجر الأخروي متى ما أخلص النية لله سبحانه وتعالى وأتقن عمله، مضيفاً: الوظائف الرقابية على الخدمات العامة والمشروعات المختلفة كموظفي الرقابة ومراقبي البلديات والمنوط به استلام والمشروعات في القطاعات المختلفة، مسؤوليتهم جسيمة ومهمتهم عظيمة في مكافحة الفساد والحفاظ على نمو المجتمع وتطوره وسلامة بنائه، ذلك أن أمانة الموظف في هذه الجهات هي الخطوة الأهم في منع كثير من التجاوزات التي تسيء للمجتمع وتهدد سلامة أفراده وتتسبب في هدر موارده ومكتسباته، مبيناً أنه متى كان الموظف أميناً فلن نرى سلعاً مقلدة، وبضائع مغشوشة في أسواقنا، وعمالة غير مؤهلة لا تراعي الصحة العامة لاسيما في المطاعم ومتاجر الأغذية، ولن يكون هناك خلل في تصريف مياه السيول والأمطار، ولن نعاني من كثرة الأعطال والخلل في بعض والمشروعات عقب استلامها واستخدام مرافقها، ولا شك أن الجهات المسؤولة في الدولة تحرص على تطوير الأجهزة الرقابية وتأهيل منسوبيها للقيام بمهامهم على أكمل وجه حفاظاً على المصلحة العامة. القسم ميثاق شرف وظيفي وأخلاقي يجب ارتباطه بجميع المهن أداء الموظف للقسم خطوة لمكافحة كافة أشكال الفساد د. سليمان الرومي بندر الصاعدي فهد الجهني عبدالغني القش